يوميات حبس اختياري: "نزلاء حياة بيضانصي" (الحلقة 18)
الأحد 05 أبريل 2020 - 12:56
, بقلم مصطفى المانوزي
لا يمكن الحديث عن حياتنا " البيضانصية " دون ذكر وتذكر المناضل عبد الواحد لحمر ، ذلك التلميذ الدمناتي ، اليافع والواعد ، الذي كان من المؤكد أنه سيترك بصمته في حياتنا الجماعية ، وفي مساري السياسي والحقوقي . فقد التحق بنا في بحر سنة 1985 ، واحتضناه ضمن مجموعتنا " الاتحادية " ، ولم يكن أي خيار آخر ، فهو ابن التنظيم ، فتي التجربة ، يتميز بحماس فائض ، واندفاع غير منضبط ، لكنه صادق ووفي وغيور ، تجده دائما رهن إشارة المجموعة ، كلما تعرض احد افرادها لأي اهانة او محاولة اعتداء ، يميل الى العنف أحيانا ، غير أن باطنه يفيض حبا وإنسانية إلى كل من يبدو له مناضلا شريفا . عضد مجموعتنا الكبرى ، بنفس الشعور والإخلاص والحماسة ، تجاه الإدارة وكذا ضد من يعتبرهم خصوما فكريين ، وأذكر أنه تسبب لنا في " عراك " بالأيدي مع فردين من معتقلي الشبيبة الاسلامية ، ومبرره أنه تدخل لمساندة المرحوم سليمان عنفر ، والذي أكد انه تعرض لاستفزاز من طرف " أحدهما " الذي هدد باعادة واقعة " اغتيال " الشهيد عمر بنجلون . ويا لمكر التاريخ ، فنفس الشخص الذي كان حاقدا على اليسار ، و متطرفا عنيفا ومغرورا وافتخاره بنيله للحزام الأسود في " الكراطي " ؛ هذا الشخص هو نفسه الذي صدمني عندما صادفته " منتدبا " عن تنظيم برشيد في مؤتمر الشبيبة الاتحادية المنعقد ، في نونبر 1998، بمركب محمد زفزاف ( المعاريف ) تحت شعار " المواطنة " .
هنأته على " التحول " متمنيا أن يتأسس على اساس مراجعة نقدية جدية ومسؤولة . لمزت له بواقعة عراك السجن ، فبرر موقفه أن عبد الواحد قبيح ولم يكن يشبهنا نحن الاتحاديين ؛ وذكرني بأن ذلك العراك كاد يتسبب في وفاة الأخ خالد بختي ، إثر صبه من قبل لحمر بالماء الساخن ، فقد كان هذا الأخير يملك قوة مبهرة ، فقد رفع " البتية " (وعاء كبير يطهى فيه أكل السجناء ) وافرغها على رأس خالد " ، لكن الله سلم ، بعد استفاق من إغمائه . والواقعة الثانية هي تدخله لحماية أحد سجناء الحق العام ، خلال إقامتنا بسجن عين البرجة ، عندما اعتدى عليه احد الحراس " المربين " . فقد عنفه ؛ فقام الحراس بالهجوم علينا جميعا ، وعنفوا بعضنا بشراسة ، وصادروا جميع كتبنا ، الدراسية والفكرية والادبية ، وبعثروا " حوائجنا وأغراضنا " الخاصة ، بما فيها صورنا و رسائلنا الشخصية . وإثر ذلك قررت الإدارة محاصرتنا ، حصارا شديدا ، لا زيارات محامين ولا العائلات ، طيلة ثمانية أيام ؛ لولا أن بعض الحراس المتعاطفين ، سربوا الخبر الى العائلات ، فحصل " الاتصال والتواصل " ثم التفاوض وبعده " انفراج " . ردت أغلب " ممتلكاتنا " ، وبالنسبة لي ضاعت مني بعض الدروس ، ومسودة بحثي للإجازة ، والذي أعددته تحت إشراف الدكتور عبد الحميد الوالي في موضوع " الاتحاد العربي الإفريقي وحل عقدة تجزئة المغرب الكبير " .
لقد كان الفضل في عودة المياه إلى مجاريها يرجع الى صمودنا جميعا ووحدتنا المتماسكة ، ناهيك عن دبلوماسية محسن عيوش وحنكته ، المعززة بشبكته العلائقية ، وهنا لا مناص من تجديد طلب المغفرة و الترحم على والدته الفاضلة الفقيدة فاطمة القباج ، التي كان لها دور عظيم ونبيل ، طيلة حياتنا " البيضانصية " ( التفاصيل ضمن حلقة خاصة بأمهات المعتقلين . هكذا كان أخونا عبد الواحد لحمر ، الذي كان مروره بالسجن المدني بغبيلة ، مجرد عبور إلى سجن آخر ، ولأنه استأنس بحياتنا ، فقد درجنا نقطة استقراره معنا ضمن مطالبنا ، وهكذا اندمج معنا ، وكنت ، أنا وعبد الرحيم عميمي ، بمثابة الأخ الأكبر ، فقد كان ولا زال ، لحد يومه ، يقدرنا أيما تقدير . وبفضل التقدير المتبادل ، لا يكف عن الاعتراف لجميع نزلاء " حياة بيضانصي " بجميل الاحتضان ونبيل العناية . فهو يعتز بالفترة " الذهبية " التي قضاها معنا ، وفعلا تغير كثيرا إلى الافضل ، غير انه لا زال يحتفظ ببعض من جرأته وعناده المفيد . لذلك اكتسب ثقة المناضلين من قدماء ضحايا سنوات الرصاص ، والذين شرفوني يوم رابع ابريل من سنة 2010 ، بأن ترأست ، كرئيس للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف ، الجمع العام التأسيسي لفرع أزيلال بمدينة دمنات ( حضرت معنا السيدة الفاضلة رقوش آيت بوفكر ، والدة المناضل يدر آيت مسعود ، ونظرا لانها حمت واحتضنت العديد من المناضلين العاطلين والمطاردين من زمن الشقاء والأمن ، ناهيك عن كونها المرأة الوحيدة في الجمع العام ، تشرفت بتكليفها بترأسه الى جانبي ، بمساعدة المناضل الفقيد بوجمعة بجاجا ، بحكم علاقته النضالية بمناضلي المنطقة ، أغلبهم من معتقلي محاكمة مراكش الكبرى لصيف 1971 ، المعروفين ضمن " قضية الغيغائي (الحبيب الفرقاني ) ومن معه . وهي المحاكمة التي تقدم فيها الفقيد المحامي عبد الرحيم بوعبيد بطلب تجريح رئيس هيأة الحكم ، بعلة انه كان كاتبا خاصا للخائن بنعرفة ، ولا " يعقل لعميل خائن ان يحاكم رجال مقاومة واعضاء جيش التحرير وطنيين حاربوا المستعمر و" ملكهم " محمد بنعرفة " " . وكان الوكيل العام للدولة " المجبوذ اراد رد طلب التجريح فأكده حينما عقب بأنه " صدر عفو عن المعني من طرف اامغفور له محمد الخامس " .
كان من بين اعضاء فرع أزيلال /دمنات المرحوم محمد آيت حدو الملقب ب " عنتر " ، أحد المحاكمين في هذه المحاكمة التاريخية ، وهو صديق للعائلة ورفيقا لجميع من اعتقلوا الى جانبه من المنوزيين وعددهم يتجاوز 16 ، دون احتساب الحسين ابن علي المنوزي المحكوم غيابيا بالإعدام الى جانب ( خالنا محمد آجار ااملقب بسعيد بونعيلات ) ( حضوريا ) و عبد الفتاح سباطة وآخرون (غيابيا ) على رأسهم محمد البصري الملقب بالفقيه . هذا الأخير الذي يعتز أهل دمنات وازيلال وعلى الخصوص أدوز وآيت اومغار ( مسقط رأس عمر منير ) هذا المناضل الذي يستحق ان أفرد له حلقة خاصة لاحقا ، رفقة رفيق دربه الكفاحي اليومي الفقيد محمد بوكرين ، والذي شاءت الأقدار أن يتوفى غداة رجوعه من قافلة انسانية وطبية ، نظمها في أعلى الجبل ، لفائدة قدماء المقاومين وضحايا سنوات الجمر ، رحل بعد يومين فقط من تاريخ تأسيس فرع ازيلال بدمنات . وكان ابنه لبيب بوكرين حاضرا معنا ملاحظا ، بحكم اشتغاله بمدينة دمنات ، سألته عن الوالد والأسرة ، أكد لي أنه يتمتع بصحة جيدة ، وزف لي بأن زوجته حبلى . حزن لبيب لفقدان والده موح ، وفرح " مكرها " لازديان حياته بميلاد نجلته الجليلة ، اسبوع فقط بعد المصاب الجلل ، وهي التي حصل لي شرف تستميتها ذكرى ، عربون محبة للرجل ، وفاء واحتفاء .
التعليقات
كل التعليقات الموجودة في الموقع لا تعكس وجهة نظرنا
كل التعليقات الموجودة في الموقع لا تعكس وجهة نظرنا