يوميات حبس اختياري: "خطيب الجماعة يكفر اليساريين" (الحلقة 17)
السبت 04 أبريل 2020 - 12:00
, بقلم مصطفى المانوزي
قبل أن يعطى الضوء الأخضر لادارة السجن المدني للسماح بتجميعنا ، كنا نقيم في زنازن مختلطين مع سجناء الحق العام ومع معتقلي أسرة الجماعة ، ما عدا البهائيين كانوا معزولين لوحدهم ، وكان من حظ محسن عيوش وعبد الحفيظ الحجامي ومحمد بلمقدم أن يلتقوا ، ذات جمعة ، وكان ثاني يوم جمعة ، منذ يوم الايداع بالسجن ، في ساحة الحي اللاتيني ، المعروف بالكارتيي ، مع المرحوم محمد البشيري ، عضو قيادي في أسرة الجماعة آنذاك ( العدل والإحسان لاحقا ) ومن الأذرع الأساسية للشيخ عبد السلام ياسين ، والذي أخذ يخطب في " المصلين " السجناء ، مخصصا خطبته لوصم وتكفير المناضلين الاشتراكيين والشيوعيين بأنهم ملحدين الى آخر الأوصاف القدحية والتحريض المباشر ضد الرفاق ، وقد بادر بلمقدم بتعاون مع عيوش إلى " صياغة " مقترح فتوى ، مفادها أن خطبة الجمعة لا تجوز إلا في المسجد الجامع ، وقد عززها محمد بلمقدم بما يفيد ويؤكد من بعض الحديث النبوي الشريف . تفاعلت الإدارة إيجابيا ودعت البشيري إلى الكف عن إلقاء الخطبة في السجناء ، ومنذئذ كنا لا ندعو بلمقدم سوى ب " الفقيه " . وفعلا كان فقيها لطيفا وهادئا ، و لا يهدأ في علاقته مع المطالعة والقراءة ، متخصصا ( على الخصوص ) في فكر حسن حنفي ، مقارنا وناقدا لفكر محمد عابد الجابري ، القومية والوحدة والتراث والتحديث والحداثة ، كان مفيدا ومنتجا ، تسأله عن إشكالية او عن فحوى كتاب ؛ فيمدك بموجز لما قرأه او تلخيص للأفكار ، كتب بخط جميل . تشدك طريقته في الحديث وعرض الأفكار ، بيداغوجي لما للمصطلح من معنى . أما محسن عيوش ، فكان نبيها ومحللا ، ورغم ما كان يشاع عنه من نخوة وعناد وحدة في النقد والصراحة ، اكتشفنا كنهه الإنساني العميق ، فهو متواضع سلوكا ومتمكن معرفيا وواقعي لكن حريص على إحترام الحق في الاختلاف ، له قدرة على المحاججة والحوار ، ذكي اجتماعيا ، يوازي بين الجدية والمرح ، أحيانا يكون عصبيا وحاد اللهجة ، وقلقا ولكنه متسامح في آخر المطاف ، وكأغلب أطر منظمة العمل الديموقراطي الشعبي يؤمن بجدوى النضال الديموقراطي المؤسساتي ، لا يبخل عنك بالمعلومة المنتجة ، وقد شاركنا معطيات ذات حساسية كبرى ، من خلال الوثائق التي يستعين بها اثناء تحضيره لأطروحته حول موضوع " البورجوازية المغربية ..." ، من خلاله اقتنعت أن محن السجن والمعاشرة الطويلة الأمد هي التي تكشف معدن الرفقاء ، كان دائما يلعن الجانب السلبي والسيء في العمل السياسي ، فبسببه فقد كثيرا من الأصدقاء ، لأن السياسة في نظره تخلق الخصوم وترفض الحياد والتعددية ، ولأنه يقدس قيمة الزمن ، فقد أبى إلى أن لا يفوت زمنه الإنساني ، وهو رهن الاعتقال ، فقرر أن ينجب من حورية الحوات ، رفيقة عمره النضالي وزمنه العاطفي ،خلال مقامه بالمستشفى ، شادي ، رمزا للحرية والحياة ، ؛ وقد كان ادريس البصري يستشهد ب " خلوة " عيوش كمنجز حقوقي عظيم ، سعدنا معه بالمولود ، حينئذ ، بدليل أن عبد الواحد فتار غنى و امتعنا بأغنية لفيروز ، لها علاقة بنفس الإسم . لقد خصصت هذه الحلقة لهذين "العشيرين " ، لكونهما موضع ثقة وارتياح وأمان فكري وسياسي ، وعلامة إنسانيتهما ، أنهما ظل يصلا الرحم ، وخاصة محسن وزوجته الفاضلة ، يتواصلا بصفة دورية ، وفي المناسبات .
كانا مدافعين عن المواطنة والحق في التكوين داخل " حياة ريجنسي " ، خاصة إذا اقترن حضور اسمهما بالحضور المعرفي والتربوي للحكيم عبد الحفيظ الحجامي ، والذي كان يغمرنا بحبه وحنانه ويلفنا بلطفه وجسارته ، ويحرجنا بخجله . ومن بين طرائفه الجميلة أنه عندما يحتد النقاش فيما بيننا ، يقول لي احترمني فأنا أكبر منك سنا ، فيتدخل محسن عيوش ويخاطبني " فعلا عليك أن تحترمه فهو من قيدومي المعتقلين السياسيين ، أنسيت يوم قال لنا لأنه كان معتقلا مع والدك " . كان خدوما ، لا يدخر جهدا ، رزينا ومتواضعا ، ولن أنسى دعمه لطلبتنا من المعتقلين في مادة الانجليزية ، وكذلك ترجمته لعدة وثائق لفائدة ابن عمي الدكتور عبد الكريم المنوزي لدعم اطروحته .
التعليقات
كل التعليقات الموجودة في الموقع لا تعكس وجهة نظرنا
كل التعليقات الموجودة في الموقع لا تعكس وجهة نظرنا