القاسمي عبد الرفيع باحث في القانون العام والعلوم السياسية
لاشك أن المغرب بعد عودته للإتحاد الإفريقي والدفاع عن قضاياه ومصالحه الاستراتيجية ستعترضه العديد من المعيقات من قبل الخصوم ، مما يفرض عليه خوض المعركة الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية القادمة مابعد العودة بموارد بشرية دبلوماسية واقتصادية مؤهلة قادرة على رفع التحديات المسطرة من قبل بلادنا ، إلى جانب موارد بشرية أمنية مؤهلة قادرة على حماية استثمارات المملكة واستثمارات رجال الأعمال المغاربة هذا إلى جانب تحدي ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن الإفريقي، كما أن رفع التحديات يتطلب موارد مالية مهمة من أجل تمويل المشاريع الاقتصادية وقضايا الأمن ومحاربة التغيرات المناخية والدفاع عن قضية الوحدة الترابية للمملكة ( المطلب الأول ) ، إلا أنه على الرغم من خطورة الموارد البشرية والمالية الضرورية لرفع كل التحديات فإن الخطوات التي أقدم عليها المغرب بالعودة إلى منظمة الإتحاد الإفريقي على المستوى السياسي وعلى المستوى الإقتصادي بطلب العضوية من داخل المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا وبعض التوصيات على المستوى التنظيمي والاقتصادي ستكون من بين الوسائل التي يمكنها الدفع بتحقيق الأهداف المرجوة .
المطلب الأول : المعيقات المحتملة
إن الموارد البشرية تشكل الأداة الأساسية لتحقيق التنمية بحيث يمكن اعتبارها أهم الموارد التي تتوفر عليها كل دولة والمتميزة بصفات القيادة والكفاءة والمسؤولية ، ولاشك أن عكسها ستكون له آثار وخيمة على الدولة برمتها في جميع المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية على المستويين الداخلي والخارجي ( الفرع الأول) كما أن الموارد المالية لاتقل أهمية لرفع التحديات التي تعاني منها دول الإتحاد الإفريقي ( الفرع الثاني )
الفرع الأول : على مستوى الموارد البشرية
في هذا الصدد قام المغرب بخطوة أولى في مجال تأهيل الموارد البشرية الدبلوماسية وذلك بتدشين " الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية يوم 26 أبريل 2011 ، وتتمثل مهامها التي أنشئت طبقا لتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس السامية بمناسبة الإحتفال باليوم الوطني للدبلوماسية المغربية في أبريل 2000على أن هذه الدبلوماسية " في حاجة لقفزة نوعية مطبوعة بالإقدام والإبتكار والتجديد في الآليات والأدوات والغايات " وأيضا في توفير تكوين متميز يمكن المستفيدين من مواجهة التحديات الجديدة في عالم يعرف تغيرات دائمة .
وتهدف الأكاديمية على الخصوص إلى تحضير ومواكبة النساء والرجال الذين يساهمون في إشعاع وتنشيط العمل الدبلوماسي المغربي على أساس قيم الوطنية والمسؤولية والتميز ، ويمكن للأكاديمية أن تستقبل إضافة إلى الدبلوماسيين المغاربة أطر إدارات عمومية مغربية أخرى ودبلوماسيين من البلدان التي تربطها بالمملكة المغربية إتفاقات تعاون،كما أن الأكاديمية هي وسيلة لصقل مهارات الدبلوماسيين وتنمية مداركهم المعرفية نحو مزيد من الإحترافية والحكامة الدبلوماسية وجعل الدبلوماسي المغربي دبلوماسي اليوم والغد ذي خبرة عالية ومعرفة متجددة وقدرة على التأقلم الذكي والناجع مع البيئة الدولية بتنوع إطارها وتعدد قضاياها ، وتقوم أيضا الأكاديمية بالتكوين الأساسي والتكوين المستمر في تخصصات متعددة منها تاريخ الدبلوماسية المغربية والعلاقات الدولية والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والدبلوماسية الوقائية وأصول العمل الدبلوماسي والقنصلي وتقنيات التفاوض فضلا عن طرق ومناهج التدبير الحديثة .
ويهدف التدريس العام بالأكاديمية على الخصوص إلى توفير معارف نظرية وعملية تضمن التمكن التام من القواعد المنظمة للعمل الدبلوماسي والقنصلي وتعميق المعارف المطلوبة خاصة في مجال القانون والعلاقات الدولية ، فيما يروم التدريس المتخصص على الخصوص التمكن من المبادئ الرئيسية والأولويات والمحاور الأساسية للسياسة الخارجية للمملكة " . إلا أنه يلاحظ أن هذه الأكاديمية على مستوى الواقع تقتصر على تكوين أطر وزارة الخارجية ولاتتجاوز ذلك إلى تكوين البرلمانيين لتقوية الدبلوماسية البرلمانية ودبلوماسية المجتمع المدني على الأقل .
فمهمة التفاوض ليست بالسهلة فمهما كان مستوى التفاوض فإنه يحتاج من الإنسان قدرات ومهارات تقنية على مختلف المستويات وأن من الخطورة عدم إدراك الإنسان أنه في موقف يقتضي التفاوض ، حيث يحتاج التفاوض الناجح إلى مجموعة الخصائص والميكانزمات التي من الضروري أن تتوفر في المفاوض كالصبر واستراتيجية التدرج بحيث يقوم المفاوض بتجزئة الموضوع إلى أجزاء وهذه الإستراتيجية مفيدة في القضايا المعقدة. بالإضافة إلى فن طرح الأسئلة في المفاوضات والمعرفة الإقتصادية والقانونية والقدرة على التحليل والمعرفة اللغوية والمعرفة العامة والنفسية وقوة التحمل وإجادة الإنصات والذكاء .
وإلى جانب الموارد البشرية الدبلوماسية يلزم أيضا توفير المزيد من الموارد البشرية المؤهلة على المستوى الأمني من أجل حماية القارة من الحركات المتطرفة على العموم وبالخصوص حماية استثمارات المملكة واستثمارات رجال الأعمال المغاربة .
وبالتالي فلتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمملكة من السياسة الخارجية المغربية تجاه إفريقيا يتطلب إحداث ثورة دبلوماسية وهذا لن يتاتى إلا بتكوين موارد بشرية على المستويين الدبلوماسي والمستوى الأمني على الخصوص قادرة على الدفاع عن مختلف قضايا المغرب من داخل هياكل الإتحاد الإفريقي بكل قوة ، تتوفر فيها كل العناصر والخصائص السالفة الذكرو تكوين البرلمانيين والمجتمع المدني المهتم بالشأن الإفريقي من داخل الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية . هذا إلى جانب تكوين موارد بشرية في المجال الأمني في أكاديمية خاصة لاشك سيكون له نتائج إيجابية لتعزيزدورالدبلوماسية المغربية المدافعة عن مختلف القضايا والمصالح الوطنية بشكل مباشر أو غير مباشربالنسبة للموارد البشرية الأمنية .
الفرع الثاني : على المستوى الموارد المالية
إن دلالات الزيادة في تكاليف العمل الدبلوماسي لدى حكومات الدول واضحة بقدر تنوعها حيث تواجه الميزانيات الدبلوماسية في الدول الغنية والقوية منافسة متزايدة عند فرزها عن خطوط الإنفاق، وعلى الجانب الآخر لايمكن للدول الفقيرة والدول الصغيرة أن تتحمل إنشاء بنية تحتية التمثيل والاتصال التي تملكها الدول الكبرى والغنية مثل السفارات والقنصليات ومكاتب التمثيل التجاري والمراكز الثقافية، ومن ثم اتجهت كل من الدول الغنية والفقيرة إلى تجريب استراتيجيات مختلفة في التمثيل إحداها المشاركة في مكاتب التمثيل بوظائف متعددة مثل فتح قنصليات مشتركة حيث أن بعض الدول الصغيرة والغنية في أوربا تشترك في الخدمات القنصلية في العديد من دول العالم الثالث والاستراتيجية الأخرى هي استبدال التمثيل بالاتصال المكثف حيث أصبح من الممكن استخدام اللتقدم الحاصل في التكنولوجيا في تنفيد العديد من الوظائف الدبلوماسية من داخل الدولة والتي كانت تتطلب بعثات مقيمة في الخارج .
لذلك يسعى المغرب في كل سنة مالية إلى جعل ميزانية وزارة الشؤون الخارجية والتعاون من بين أكبر الميزانيات ، فعلى سبيل المثال فميزانية وزارة الشؤون الخارجية والتعاون لسنة 2012 بلغت مليار و966 مليون و 391 ألف درهم ، خصص مليار و 320 مليون و717 ألف درهم منها فقط لنفقات الموظفين ، والتي ارتفعت بنسبة 55 بالمئة بالمقارنة بميزانية 2011 ورصدت لنفقات المعدات وللنفقات المختلفة ميزانية قدرها 535 مليونا و747ألف درهم ، أما نفقات الإستثمار فبلغت 110 ملايين درهم بين هذه النفقات تسديد ميزانيات المنظمات الدولية والإقليمية التي يشغل المغرب عضويتها بما مجموعه 91 مليون درهم ، فضلا على مساهمات تطوعية لتعزيز موقع المغرب ، هذا إلى جانب نفقات الأشغال الدبلوماسية والقنصلية والبعثات الدبلوماسية إلى الخارج إضافة إلى الوكالة المغربية للتعاون الدولي التي تقوم بنفقات مهمة في القارة الإفريقي لتعزيز مكانة المغرب داخل القارة الإفريقية .
ومؤخرا عرف مشروع قانون المالية لسنة 2017 ارتفاعا في ميزانية وزارة الشؤون الخارجية والتعاون السنوية بنسبة 4.08 في المائة ( 2.656.669.000) درهم .
وعلى الرغم من هذه الميزانيات الضخمة التي تصرف في القارة الإفريقية فإنها تظل غير كافية بالنظر لحجم المعارك السياسية والاقتصادية التي سيخوضها المغرب داخل القارة الإفريقية مع خصومه، لكن اليوم بعد التوجه الإقتصادي الجديد وذلك بالقيام باستثمارات كبيرة على مستوى القارة الإفريقية في مختلف المجالات فإن من شأنها أن تضخ مداخيل كبيرة جديدة ستمكن المغرب من تجاوز الإشكال المادي لكي لايكون عائقا في سبيل تحقيق الأهداف الاستراتيجية من السياسة الخارجية المغربية تجاه إفريقيا إلا أن حماية تلك الاستثمارات يبقى السبيل إليه هو توفر موارد بشرية أمنية مؤهلة .
المطلب الثاني : آفاق السياسة الخارجية المغربية الجديدة تجاه إفريقيا
لاشك أن الخطوتين السالفتي الذكر على المستويين السياسي والإقتصادي ستكون لهما انعكاسات إيجابية على بلادنا وعلى القارة الإفريقية في مجملها وهذا ما أكد ه أيضا رئيس الإتحاد الإفريقي " ألفا كوندي " بأنه بعودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي أصبح أكثر قوة من ذي قبل ، كما ذكر بأن البلدان القارة الإفريقية تواجه العديد من التحديات كخطر الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتحديات التنمية والخصاص الطاقي ولاشك أن المملكة بخبرتها في هذه المجالات سيكون مفيدا على مجموع إفريقيا ، إلا أنه يتطلب تعزيز عودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي ببعض الشروط التنظيمية ( الفرع الأول ) وأيضا باتباع بعض التوصيات على المستوى الإقتصادي ( الفرع الثاني )
كل التعليقات الموجودة في الموقع لا تعكس وجهة نظرنا