الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤

قصّة قصيرة: البُرتقالةُ الشّاحِبَة (3)

الأربعاء 11 يوليو 18:07

سعيداً وشبه مُرتاح، كان الكاتب الحقود يُسَارع الخطى إلى غرفته الصغيرة ليأخذ القلم ويجهز على (ش) التي أذاقته المُر واستعصت عليه لأيام وليال طويلة، كان متوفزاً تدفعه طاقة داخلية هائلة نحو مكتبه الخشبي القديم، ليأخذ القلم ثم يكتب سطراً أو سطرين ينهي بهما المأساة التي تورط في دهاليزها الخفية، أحس بانزياح الثقل من على صدره وبتوقف الطنين الدائم داخل جمجمته، طنين دام لأربعة أيام بلياليها، الآن سيقتلها بلطف ورومانسية، ليستريح بعد ذلك ويعود إلى حياة الهدوء والكأس، كان (ب) متأكداً هذه المرة من أنه قادر ومتمكن من مصير القصة، إنه في مستوى النهاية، سيواجه البطلة بكل عنف وحزم، ثم يقرّر مصيرها ببرود، لن يستسلم لتلك المسحة البريئة على وجهها، لتلك النعومة الثلجية التي خلقتها يداه، سينسفها بهدوء، سيضع نهاية فقط، ليس أمراً عسيراً إلى هذه الدرجة، من تحسب نفسها هذه الشخصية اللّعينة؟، إنها ليست أكثر من خاطرة طارئة زارته في قبوه الصغير، وستغادره في قبوه أيضاً فوق منضدة خشبية مهترئة، على ورقة بيضاء فارغة أيضاً…سيسيل دم على تلك الورقة ويخرج عن إطارها ليلطخ المكتب..ففي النهاية، على من يقرأ أن يتدبّر أمره مع الموت المتكرّر، أليست الحياة تدريباً على أشكال متعدّدة من الموت؟.

******
بعد أن قطع أمتارا قليلة أحسّ (ب) بشيء يلطم قبعته من فوق، شيء سقط من علو شاهق، مد يديه فإذا هي لزوجة مقرفة، قلب القبعة بين يديه، بصقة، إنه تُفال آدمي يلطخ قبعته الأنيقة، شعر باحتقار وحنق كبيرين، سبّ وشتم وقرّر مدفوعاً بجنون الكتّاب وغضب المَبصوق عليه أن يصعد إلى سطح العمارة كي ينهال سبّاً وشتماً على الباصق، ولربما يدفعه – مبالغة – من فوق السطح…
كابد (ب) مشقة الصعود حتى انهدّ كاهله، أحس عياء يسري في أوصاله من طول السلالم، وطوال مدة الصعود كان حقده يزداد اشتعالاً وغضبه يتنامى شيئاً فشيئاً،كرة ثلج متدحرجة، اِعرورق محيط العينين من الشرر وانتفخت الأوداج، “سألقن درسا لهذا الحيوان” قال بينه وبين نفسه، هؤلاء المتخلّفون يبولون على الأسوار أمام الجميع ويبصقون من الشرفات على الجميع، لابدّ من الصفع والشتم، ومن غيري يصلح لذلك؟، فكر أنه بعد أن يسب ويشتم سيعود إلى غرفته، يشرب كأس قهوة ساخن ويصنع بـ(ش) ما حصل للبصقة، سيرميها من الطابق الأخير لعمارة ما، كي تتشظى هامتها البديعة وتنكسر كالزجاج، ولكن بشكل رومانسي طبعاً.
وهو يلهث صعوداً، قال لنفسه لن يقتلها قبل أن ينسج حالة وصف دقيق لضيق نفسي مُوغل، لحالة اكتئاب داغل، سيتهشّم هيكلها العظمي ويسيل مخها لزجاً فيختلط مع تراب الأرض، ثم تموت، سيحزن قليلاً عليها مثلما حزن على من قبلها ثم يعُود للكأس ليخلق ورطة جديدة، يندم، يعاني، ثم يجهز على بطل أو بطلة، ما فائدة الرومانسية في الموت؟ قال بضحكة خفيفة ساخرة.
تصوّر لحظة السقوط… جسد أبيض رقيق يسقط مثل ناقوس زجاجي، اليدان مقلوبتان إلى الخارج والأرجل مفروشة بالعكس، حيث يقابل بعضها بعضا، كلّ ذلك حين تقصم السقطة مفاصل الكوعين والركبتين، ليبقى الوجه غائصاً نصفه في الأرض مشتركاً مع الترقوة المكسورة في المنتصف..
عندما بلغ الكاتب الحقود إلى نهاية السلالم كان منهكاً، فتح باب السطح، صدمه التيّار البارد، تبدّت له شابة في عباءة نوم بيضاء وفضفاضة، كان الريح ينفخ العباءة بقوة وهي واقفة على حافة السطح تحملق في الأسفل، إحدى قدميها ملفوفة في ضماد تبدو عليه بقعة دم كبيرة، لم يتبين ملامحها عن بعد، كانت بعيدة ومولية  ظهرها، صرخ حانقاً: أنت، أيتها المريضة…اِستدارت نحوه بهدوء. ثم عمّ صمت كنائِسي..
*****

أضف تعليقك

المزيد من ثقافة وفنون

السبت ١٢ مايو ٢٠١٨ - ٠٩:٣٠

“يوم الدين” يعيد السينما المصرية “لكان”

السبت ٠٩ يوليو ٢٠٢٢ - ١٢:٣٤

أسماء الخمليشي” تستأنف مسيرتها الفنية من خلال فيلمها الجديد “الشطاح”

الأربعاء ٢٧ دجنبر ٢٠١٧ - ٠٩:٢٥

بعد المغرب ومصر، فيلم “الخروج: آلهة وملوك” ممنوع بالإمارات

الأحد ١٥ يوليو ٢٠١٨ - ١١:٠٩

صدَر حديثاً: سؤال القيمة: مقاربة لرصد إشكالية القيمة في فلسفة لافيل