السبت ٢٠ أبريل ٢٠٢٤

قصة قصيرة: مات السمك

الأحد 2 ديسمبر 13:12

حاول للمرة الثالثة بدون جدوى، كان الجسد البرميلي لزوجته مستلقيا أمامه مثل عجل البحر، متأففة تنظر إلى السقف بعينين مقلوبتين، قالت لابأس، لكنه علم أن في الأمر بأسا شديدا، لم يمسسها منذ شهر. 

كان الجيلالي يلقب من قبل الجنود فيما مضى ب”الحراث”، لأنه حرث نصف نساء مدينة السمارة حين كان جنديا في الفيلق السادس (سيزيام ريم) بالجنوب كما تحكي الأسطورة في مقهى “الغرباوي”. هناك حيث يجتمع الرجال ليلا ليدخنوا الكيف ويلعبوا الورق، ثم يتذكرون الأيام الخوالي وهم مجتمعون حول كؤوس الشاي المنعنع. كانت الحياة بالنسبة لأولئك الجنود المتقاعدين تتلخص في لعب الورق و”الضامة” وتدخين الكيف مساء في الزاويةالدافئة. 
في مساء اليوم الموالي، بعد أن عادت زوجته من الحمام رفقة زوجة المعطي، خضار القرية، كان صامتا ينظر ببطئ إلى كأس الشاي الساخن، بدا مرتبكا، فمد إليه صديقه بوعزة السبسي، كانا رفيقين في السلاح حين هجم البوليزاريو  في الثمانينيات وذبح فيلقا كاملا بخيانة من الكولونيل، نجى بأعجوبة، ثم حمل بوعزة المصاب على ظهره وهو مقطوع الأصابع، عشر كيلومترات نحو الغرب، يقول بوعزة مفتخرا بصديقه الأسطورة: “لم يتركني، كان يسقط وأصابع يده تنزف، ثم يقوم ويكابر، حتى بدت لنا أضواء السمارة عند الفجر  كأنها ملائكة قادمة من عند الله”…
بدأت جولة جديدة من لعبة الورق، خسر هذه المرة، وحين يخسرون كانوا يمازحون بعضهم البعض، لكن مزاح المعطي الخضار جاء مثل الرصاصة:
– ” مات ليك الحوت الجيلالي”
هل كان يقصد الخسارة أم شيئا آخر؟، ضحك الجميع كالعادة، لكن الشيطان كان يلعب في جمجمته، (ماذا يقصد؟)، انتفخت أوداجه، احمر وجهه وشعر بشيء يخنقه، أحس وكأنه يتقلص تحت الطاولة، فمد يده دون مقاومة لقنينة الماء، وبسلاسة لم يتصورها يوما أمسك بتلابيب الخضار وكسر الزجاجة فوق رأسه. سال الدم، صرخت الضحية، تعالت الصيحات وامتدت الأيادي، تارة لتفرق وتارة لتضمد الدم، انطلقت الأصوات مستنكرة: “لا حولا ولا قوة إلا بالله”، انسحب الجيلالي وهو يسب، وأقنع رواد المقهى الخضار بألا يقدم شكاية، مراعاة للطعام الذي تشاركوه، فالجيلالي في النهاية واحد منهم.
في طريق العودة نحو البيت، ظل صامتا، لكن بوعزة دس في جيب جلبابه حبة صغيرة، وأخبره أن يأخذها ساعة قبل ولوج الفراش، مثلما أخبرته “مدام صوفيا” صاحبة الصيدلية الوحيدة في القرية. 
 قال في نفسه: (اشتكت لكل النساء إذا، فضحتني). لم يعرف شيئا عن الحبة الزرقاء الصغيرة، لكنها ابتلعها من شدة يأسه، كان مجروحا في كبريائه، السن، العمر، يا لخيانة السنين ! 
في المساء اللاحق كان الجو جنائزيا في مقهى الغرباوي، الرجال بالكاد يتحدثون، يشعرون بأن هناك شيئا ناقصا، وكأن روح المكان ماتت، بدون أسطورتها الجيلالي، لا معنى لمقهى الغرباوي، ولا حلاوة للسهر حتى الصباح، فالجيلالي من كان يلهب الخيال بقصص الرصاص والمواجهات البطولية، وهو مصدرهم الوحيد لمتابعة أخبار السياسة والجرائد. 
فجأة وقف ظلان في باب المقهى، كان هو معانقا المعطي، بدت أساريره منفرجة وكأنه شاب في العشرين، مسنود القد مزهوا كأنه التحق بالجيش لتوه، كانا يضحكان وكأن شيئا لم يكن، قبل الجيلالي رأس الخضار أمام الرجال جميعا، ثم اعتذر منه، وما هي إلا برهة من الدهشة والاستغراب، حتى تطايرت الكؤوس والضحكات في أرجاء المقهى، وتعالت النداءات مطالبة بكؤوس الشاي و”بطائق” الكيف المقصوص.

أضف تعليقك

المزيد من ثقافة وفنون

الخميس ٠٨ أغسطس ٢٠١٩ - ١٠:٥٠

الفرحة تغمر بيت الفنانة نبيلة معان بمولود جديد

السبت ٢١ دجنبر ٢٠١٩ - ١٢:٣٥

بحضور أسماء وازنة.. افتتاح الملتقى الوطني الأول للمخطوطات بتارودانت (صور)

الإثنين ٣٠ سبتمبر ٢٠١٩ - ١٢:٥٠

الفنانة كوثر براني ترزق بطفلة بعد طول انتظار

الأحد ٠٩ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٤:٣٠

وفاة الممثل الأمريكي بيل ديلي عن 91 عاما

0 Views