هيئة التحرير افادة الجمعة 29 يونيو - 01:24

نحو مؤتمر استثنائي لاتحاد كتاب المغرب

شكَّل اتحاد كتاب المغرب، منذ تأسيسه، منارة مضيئة وهادية في التاريخ الراهن للمغرب والمغاربة، وأداة فاعلة في معركة التحديث، وذلك بالخصوص لما مَثَّلَهُ من إطار للحوار، وتجميع للإرادات الوطنية وتوجيه للحركة الثقافية، وربطها إلى معركة استكمال الوحدة الوطنية والتحرر وتحقيق الديمقراطية، وضمنها شروط ومتطلبات الديموقراطية الثقافية.  ولهذا وغيره، طالما صوبت جهاتٌ معيَّنة نحوه شتى السهام، بهدف تعطيله أو حتى تحريفه عن ميثاقه، وفك ارتباطه بتقاليده النضالية وقوانينه الديمقراطية.
لقد حصل ذلك في مناسبتين سابقتين، من محاولات الاختراق التنظيمي لتخريبه، من خلال السيطرة على قيادته بالحيل “الديمقراطية” إياها، والتي سبق أن جربت بالحيل ونجحت في حالات مجتمعية أخرى معروفة. 
وبالفعل وخلال المؤتمر الوطني (18) لاتحادنا، تمكنوا فعلا من “النجاح” وذلك عن طريق (الإغراق بالعضويات المصطنعة/ الشراء غير المباشر لذمم البعض/ توظيف شعارات ديماغوجية تتناقض أهدافها الحقيقية مع خطاباتها… الأمر الذي انتهى ب ـ:
1- “انتخاب” قيادة لا توحدها مبادئ ولا استراتيجية… ولذلك انفجرت تركيبتها سريعا، بل ووصلت صراعاتها إلى الإعلام وإلى القضاء.
2- تقنين للاستبداد عن طريق “انقلاب” ديمقراطي على قوانين الاتحاد وميثاقه وذاكرته وتقاليده الديمقراطية، وذلك عن طريق إقرار انتخاب رئيس الاتحاد مباشرة من قبل المؤتمرين (؟ !) وعَبْر التجييش والإِنزال اللذين اعتدناهما في المعارك الانتخابية التي عرفتها بلادنا.
ذلكم هو بعض مما يفسر السنوات الأخيرة العجاف التي مرت على اتحادنا، بل والانحراف عن ميثاقه وذاكرته. الأمر الذي لاحظه وتألم منه الجميع، كُتَّابا ورأياً وطنيا وديمقراطيا عاما.
ثم تضاعف الرزء بالتأجيل المتلاحق والـمُدَبَّر، بقصد التيئيس لعقد المؤتمر (19)، الأمر الذي أدى إلى وضعية غير شرعية ولا مشروعة لاتحادنا، مَرْكَزاً وفروعاً وأعضاء (؟!)
ثم فجأة، وبتستر وفي غفلة عن الجميع، وفي زمن ومكان غير مناسبين وغير مُتَوَافَقٍ عليهما، تعلن القيادة المنتهية ولايتها، منذ أكثر من ثلاثة أعوام، عن عقد مؤتمر “عادي” بمدينة طنجة العالية بمثقفيها ومواطنيها وتاريخها، والحال أن كل شروط عقده الاستثنائية، كانت تقتضي عقده في دورة استثنائية لا عادية. (؟!)
1- لقد دُعي إليه من قبل مكتب تنفيذي بلغت تناقضات مكوناته حد الانفجار، من حيث الاتهامات المتبادلة والتوقف والطرد… وحتى التقاضي في المحاكم. 
2- لم يكن موقع عقده مناسبا للجميع، خصوصاً منهم أعضاء الاتحاد في الجنوب والشرق، نظرا لبعد المسافات. إنه نوع من التهريب لتكريس الاختطاف.
3- والأمر نفسه بالنسبة إلى توقيته، حيث موسم الامتحانات والتصحيحات المانعة للكثيرين من حضوره، فضلا عن مناخ الموسم الفرجوي الكروي العالمي والاستثنائي لهذه الدورة. (؟ !) ، وكذا الإنهاك المادي بعد شهر رمضان وعيد الفطر، وعلى الأبواب عيد الأضحى والعطلة الصيفية، ناهيك عن مصاريف التنقل وواجب العضوية (300 دهـ)، وذلك بالنسبة لأعضاء الاتحاد الذين نعرف محدودية مدخولهم وإمكاناتهم المادية.
4- وكذلك الأمر بالنسبة لاختيار قاعة انعقاده، والتي تحرج البعض من الأعضاء عن حضوره. (؟ !) دون أن ندخل في التفاصيل والتسميات.
لم ينجح المخطط. لقد قاوم الكتاب الإرادة المدبرة لتيئيسهم وانسحابهم، أو استسلامهم. وحضروا ثم لاحظوا البداية غير الموفقة، بل والبئيسة لافتتاحه وتقديمه بصورة فولكلورية محزنة حقّاً.
1- فلا حضور لرموز وهيئات المجتمع المعتبرة والحاضنة للاتحاد، ولا حضور رسميا، وأحرى أيضا للاتحادات الشقيقة والصديقة. (؟ !)  
2- لا حضور إعلاميا على صعيد المدينة، ولا حضور لوجوهها ورموزها… كما لو أن الأمر يتصل بمؤتمر سري (؟!)
3- لا برنامج معلن للجلسة الافتتاحية، عدا حضور بعض مظاهر “المهرجانات” إياها: آلات موسيقية / مُدَبِّر احتفالي للجلسة / وضع شارات تكريمية لبعض الكتاب هي بمثابة إحراج للمؤتمرين لتمرير الجلسة حسب المطلوب. (؟ !)  
لم يستسغ المؤتمرون ذلك. وتقديرا للمبادرة الملكية بتخصيص مقر محترم للاتحاد، فلقد سمحوا بعرض تسجيل سمعي بصري عن أشغال بنائه، وطرحوا مباشرة نقطة نظام عن المؤتمر، وعلى المؤتمرين، تتلخص في التالي:
1- تحفظهم على الاستغلال الانتخابوي للهبة الملكية، وكأنها من إنجاز المكتب الحالي. والحال أن المطلب قديم ومبادرة الاتحاد الملموسة، بهذا الخصوص، تعود إلى العام 1994، والوعد الملكي بتحقيقها إلى العام2002.
2- مسألة حرمان السيدة ليلى الشافعي، عضو المكتب التنفيذي من العضوية، مع أنها منتخبة من قبل المؤتمر السابق، والنزاع معروض أمام المحاكم من قبلها ومن قبل خصومها. فإما أن يحضر المعنيون جميعا أو أن يغيبوا جميعا.
3- مدى شرعية القيادة الحالية في تنظيم المؤتمر والإشراف عليه، والحال أنها في وضعية غير قانونية، وبالتالي غير شرعية.
4- تمكين المؤتمرين، أولا، من تقرير الطعن في مالية الاتحاد، الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات. وكذا التقرير الصادر عن المفتشية العامة لوزارة المالية (معروف أن اتحاد كتاب المغرب هو جمعية ذات نفع عام تخضع لقوانين الافتحاص والرقابة المالية العمومية).
5- مبادرة المكتب المنتهية ولايته وصلاحيته منذ 2015 إلى إعطاء عضوية الاتحاد لحوالي 50 كاتبا جديدا. والحال أن فاقد الشرعية لا يمكن أن يمنحها (؟!)
6- التحقق من مدى توفر النصاب القانوني لعقده بشكل عادي، وذلك قبل افتتاحه (المطلوب قانونا حضور ثلثي الأعضاء الذين حضروا المؤتمر 18).
7- قضايا مكان المؤتمر وزمنه ومقره…والتي حرمت الكثيرين من حقهم في الحضور والمشاركة، نقاشا وترشحا وتصويتا. 
وحيث عمد الرئيس المنتهية ولايته، إلى أخذ الكلمة قبل البت في هذه الطعون، وأمام إصرار المغضوب على صراحتها (ليلى الشافعي)على أخذ كلمة توضيح واحتجاج ومطالبة بالإنصاف، ومنعها جسديا من قبل الرئيس من أخذ الميكروفون، انفجرت القاعة، ورفع شعار “إِرْحَلْ”، وعمت الفوضى “الخَلاَّقة”، وبادر “مدبر الجلسة” إلى إعلان توقيفها، وصادق الجميع عمليا على المقترح، وذلك بانسحابهم منها خوف حصول ما هو أسوأ، نتيجة احتقان وغضب تَراكَمَا خلال سنوات الانحراف عن أهداف الاتحاد، وعن ميثاقه، وعن قوانينه.
وإنقاذا منهم للموقف، بادر العديد من المؤتمرين إلى طرح فكرة أن يجتمع من وصفوهم بـ”الحكماء”، والمقصود بعض القدماء، في شكل لجنة مساعٍ حميدة، واجتماعهم للحوار من أجل الإنقاذ. وذلك حتى لا ينفجر الوضع أكثر، وينتهي المؤتمر قبل انعقاده، وما قد يمثله ذلك من أخطار على حاضر الاتحاد وعلى مستقبله. 
تداول المؤتمرون عفويا، ثم توافقوا على سبعة أسماء، فضلا عن المنتهية صلاحيته الشرعية، وتم لقاء غير مغلق، وإقناع المعني بحضوره بعد إلحاح. وطرحت من أجل الإنقاذ مسألتان:
1- تصحيح وضعية الاستبداد “الديمقراطي” التي اصطنعها تقنين انتخاب الرئيس من قبل المؤتمر مباشرة.
2- الانسحاب “الـمُشَرِّف” للرئيس المنتهية ولايته، وذلك بعد :
أ   : 24 عاما من الحضور والمشاركة في أجهزة قيادة الاتحاد (؟!)
ب : تسع سنوات من رئاسته الفعلية للاتحاد، وترك الاتحاد لرئاسة شابة و/أو نسوية. وبلغت المبادرات التوافقية، حد اقتراح رئاسة مُزْدَوَجَة (كاتب وكاتبة) في الوقت نفسه، كما جرى العمل به في بعض الجمعيات المثيلة في العالم.
رفض المعني بالأمر ذلك بتعنت، ثم انسحب، دون إعلان من المؤتمر، وأقفل هاتفه. الأمر الذي اعتبر من قبل الكثيرين، بمثابة استقالة دون محاسبة ودون تصويت. 
اضطرت هيئة “الحكماء” إلى الدعوة لعقد جلسة في وقت متأخر من الليل، وأخبرت المؤتمرين بفشل مسعاها، ومن ثَمَّ نهاية وظيفتها. ما يعني توقيفا لأشغال المؤتمر “العادي”، وتأجيلا لانعقاده في شروط مؤتمر استثنائي لاحق. 
لم يقبل المتبقي من المؤتمرين هذا الطرح. وحيث أصروا على نقاش الموضوع، وحيث اعتبر “الحكماء” الثلاثة في المنصة عدم شرعية استمرارهم لتسيير النقاش، فلقد وقع الإجماع على عقد جلسة أخرى، انطلاقا من الساعة العاشرة من صباح الغد. 
وفي صباح اليوم الموالي، انتظر المؤتمرون ساعة ونصفا حتى تفتح القاعة، ويعتلي المنصة أعضاء المكتب التنفيذي المنتهية ولايتهم (دون المتوقفين، ودون المطرودة ؟!)، ويعلن الرئيس المنتهية ولايته عن:
1- توقيف الأشغال، وتعليق المؤتمر.
2- تشكيل هيئة إعداد وتدبير لعقد مؤتمر استثنائي من قبل لجنة الحكماء الثلاثة           (عبد الرحمن طنكول، عبد الغني أبو العزم ورشيدة بنمسعود)، فضلا عن أعضاء المكتب التنفيذي المنتهية ولايته.
وأمام إصرار القاعة على فتح باب النقاش حول الأزمة، وحول مقترح تجاوزها، فتحت لوائح لذلك، انتهت جميعها إلى الخلاصات التالية:
1- التأكيد على فشل التدبير الانفرادي لعقد مؤتمر مُهَرَّب، واعتباره “عاديا” – رغم شروطه الاستثنائية.
2- توسيع المشاركة (للشباب والنساء بالخصوص) في اللجنة المشاركة للمكتب في التحضير للمؤتمر الاستثنائي، وذلك في حدود 24 عضوا.
3- تعتبر هذه الصيغة التنظيمية لتدبير الأزمة، وتوفير شروط عقد المؤتمر الاستثنائي للإنقاذ، بما يضمن استرجاع وحدة كُتَّابِهِ، وترسيخ ميثاقه، والمحافظة على هياكله وقوانينه الديمقراطية.
ما يعني أنه خلال التحضير الجماعي والتوافقي للمؤتمر الاستثنائي المقبل، يجب أن يتوقف كل ما من شأنه أن يشوش ويعرقل هذا المسعى، ويتعبأ الجميع لإنجاحه، ويقع الاقتصار على الحد الأدنى لإدارته.  
لقد مثل هذا المخرج التنظيمي، إنقاذا لتعطيل أو حتى انشقاق الاتحاد، وحلا وسطا قضى من جهة:
1- بإعلان فشل تجربة الاستئثار والانفراد، وحتى الانحراف السابق لمسار الاتحاد (ثقافيا وتنظيميا وأخلاقيا)، وهزيمة الرهان على إعادة إنتاج المهزلة-المأساة، غير المأسوف على انصرامها.  
2- الامتناع المتعقل والوحدوي من قبل المؤتمرين، عن إقصاء المتورطين، وإقالتهم، وانتخاب قيادة بديلة عنهم، قد تكون هي الأخرى إقصائية وغير توحيدية. وقد تؤدي بطرف أو أطراف أخرى إلى الوقوع في جريرة التشقيق، وربما التشتيت. 
3- فتح أبواب المستقبل على أفق استرجاع الثقة والوحدة والأمل، وإعطاء الفرصة للجميع، لتصحيح المواقف والتحالفات والمسلكيات والرهانات (؟ !) والعودة إلى المساهمة في تقوية الاتحاد والمحافظة على إرثه، وعلى مصداقيته، وعلى ارتباطه بقضايا الشعب والوطن والتقدم والديمقراطية، القضايا التي تندرج ضمن انشغالات والتزامات الكتاب والشعراء والمفكرين المغاربة الأساسية.
4- السعي إلى تشكيل لجنة تنسيق وطنية تدعم أفق الإصلاح والتجاوز، وتواكب وتدعم أشغال اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي، وتُعبّر عن إِرادة أعضاء الاتحاد الذين اتخذوا موقفاً نقديّاً صريحاً داخل مؤتمر طنجة المُهَرَّب.
وسيتم الإِعلان عن هذه اللجنة وبرنامج عملها، وكذا الخطوات التي ستتخذها لحماية الأفق الديموقراطي داخل اتحاد كتاب المغرب وصيانة ميثاق شرفه وخطه الوطني وخياراته الأَساسية.
لعل اتحاد كتاب المغرب يعتبر اليوم آخر قلعة وطنية وتقدمية وديمقراطية موحدة تنبغي صيانتها، بعد أن وقع اختراق الكثير من إطارات العمل المدني المستقل وتحريفها وتشقيقها. فلْيَعِشْ اتحادنا منارة للتنوير والتحديث، ولْيَظَلْ مثقفونا جديرين بحفظ تراث الرواد المؤسسين وتنميته وإشاعته وفتحه على المستقبل. 

طنجة في: 23/06/2018   

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذا النص حرره كل من  الأستاذين عبد الصمد بلكبير، عضو اتحاد كتاب المغرب وعضو لجنة المساعي الحميدة “لجنة الحكماء” داخل المؤتمر الأخير، وحسن نجمي، الرئيس الأسبق للاتحاد وعضو المجلس الإداري بالصفة. وذلك بغاية وضع جميع أعضاء اتحاد كتاب المغرب، من الكتاب والكاتبات والشعراء والشاعرات، وكذا الرأي العام الثقافي المعني بالوضع الإعتباري للاتحاد وآفاقه في صورة ما جرى في المؤتمر الأخير الذي اعتبره أغلب المؤتمرين مؤتمرا لا شرعياً.

التعاليق

المزيد من سياسات دولية

تلفزيون الموقع

تابع إفادة على:

تحميل التطبيق