إفادة الجمعة 06 يوليو - 02:02

نادية الأزمي تحصل على شهادة الدكتوراه في السرد الرحلي المغربي

د. نادية الأزمي

يأتي هذا البحث لنيل درجة الدكتوراه حول “السرد الرحلي المغربي في القرن التاسع عشر الميلادي”، تتويجاً لخطوة كنت بدأتها في بحث الماستر، وهي تسليط الضوء على (صورة الآخر في الرحلة المغربية) من خلال نموذجين رحليين؛ ولعلّ هذا الإصرار على أدب الرحلة يعود إلى نفسٍ أمارة بالتنقل عبر الكلمات إلى أمكنة قد لا يتيح الواقع الانتقال إليها.
يهدف هذا البحث إلى تقصي الملامح السردية للرحلة المغربية في القرن التاسع عشر، بوصفها نوعاً أدبياً سردياً، من خلال ستة نماذج تتوزع بين رحلات سفارية وحجازية، وذلك عبر توجيه الاهتمام إلى أهم ما يميز تلك الرحلات. وهذه الرحلات هي: “الرحلة التطوانية إلى الديار الفرنسية” للشيخ عبد الله الصفار، و”الرحلة الإبريزية إلى الديار الإنجليزية” لمحمد الطاهر بن عبد الرحمن الفاسي، و”إتحاف الأخيار بغرائب الأخبار: رحلة فرنسا، بلجيكا، إنكلترا، إيطاليا ـ 1876″، لإدريس الجعيدي السلوي، وهي رحلات سفارية. أما الرحلات الحجازية التي تناولها البحث فهي “الرحلة الفاسية الممزوجة بالمناسك المالكية: 1293 هـ ـ 1876م” للطيب بن أبي بكر بن الشيخ الطيب بن كيران، و”الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برّاً وبحرا” لأبي القاسم الزياني، “رحلة المنى والمنّة” للطالب أحمد بن اطوير الجنة. 
وإذا تحدثنا عن السمات الفنية التي تعدّ الشغل الشاغل لهذا البحث، وهي السمات التي تجعل من النص الرحلي سرداً فنياً، فإنه يمكننا أن نشير إلى مجموعة من الاستنتاجات حول كيفية الاشتغال على عناصر السرد الرحلي:
فقد لوحظ في الفصل الذي خصص للفضاء الرحلي أن موقف الرحالة كان يختلف حسب وجودهم في المكان، ففي المكان الآخر، حيث الاغتراب في أوروبة، ولدت التفاصيل مقترنة بالشوق والحنين إلى المكان الأول، أما حين يتعلّق الأمر بالحجاز فلا إحساس بالغربة، بل ثمة ذوبان في الفيض الروحي الطارئ في حضرة المقدّس؛ وهذا ما جعل بعض الرحالة الحجازيين يتركون الوصف وتأثيث المكان لصالح الانشغال بالعقيدة. كما لوحظ عدم الاهتمام بتشكيل الفضاء الطباعي باستثناء رسوم أو خرائط موزعة هنا وهناك.
أما الزمن الرحلي الفني الذي تقوم دراسته أساساً على التمييز بين زمن الوقائع التي تجري في الرحلة تعاقبياً، وزمن السرد الذي يعرض هذه الوقائع حسب رؤية المؤلف، فقد لوحظ أنّ معظم السرد الرحلي حافظ على خطية السرد التعاقبي، وأن العتبات والخواتيم تشابهت فيما بينها، وأن المتون الرحلية انتظمت بشكل عام في مجموعة من الموضوعات العامة المتتابعة التي تشكّل أجزاء الرحلة على نحو يذكّر بالتزام الشعراء العرب بعمود الشعر العربي، حيث الوقوف على الأطلال ووصف الديار والرحلة، ثم الانتقال إلى الموضوع الرئيسي، فمدون الرحلة ها هنا يبدأ بحمد الله والثناء عليه، منتقلاً للحديث عن الظروف التي أحاطت بهذه الرحلة، قبل أن ينطلق في وصف طريق الذهاب (بخلاف طريق الإياب)، ثم ينتقل إلى موضوعه الرئيسي سواء أكانت الرحلة سفارية أم حجازية.
وفيما يتعلّق بالحكاية ذاتها فقد لاحظنا أن السرد الرحلي كان تعاقبيا بشكل عام، إذ انطلق في جميع الرحلات الست التي يتناولها البحث من البداية نحو النهاية، دون استذكارات مهمة، وبقيت حدود اختراق هذا النظام تقف عند الحكايات الصغرى التي يرويها الرحالة، استذكاراً يكسر حدّة التعاقب التي تكاد تصبغ السرد برمته.
أما لغة السرد الرحلي فقد امتازت بأنها إخبارية بشكل عام، على حساب ندرة شعرية اللغة، بينما وقفت الظواهر البلاغية التي أفاد منها مدونو الرحلات عند حدود السرد الذي صبغ أسلوب المقدمات وبعض المتون، وتسلّل إلى عناوين الرحلات.
وعلى الصعيد الموضوعي تمّ في هذا البحث تقصي أبرز الموضوعات التي تمّ طرحها في قضيتين أساسيتين تتفرعان إلى عدد من الملامح، وهما قضيتا: المدنية والحضارة، وهكذا عالج الفصل الخامس في هذا البحث الملامح السّياسية والإدارية والاقتصادية في الرحلات المغربية في القرن التاسع عشر، معتمداً اعتماداً شبه كامل على الرحلات السفارية، مبتعداً عن الرحلات الحجازية؛ ذلك أنّ الرحلات الحجازية التي كانت الكعبة المشرّفة وجهتها النهائية لم تهتم كثيراً برصد الملامح المشار إليها، سواء في بلاد الحجاز أو في الطريق إليها، بسبب انشغال الرحالة بالروحانيات من جهة، وعدم وجود صناعات أو نظم سياسية أو إدارية متطورة تلفت نظرهم.
أما الفصل السادس الذي تمّ فيه رصد الملامح الحضارية في السرد الرحلي المغربي؛ فقد استنتجنا منه شدة اهتمام مدوني الرحلات السفارية بهذا الأمر، وقلة ذلك في الرحلات الحجازية، فإذا كان الرحالة السفاريون قد رصدوا تلك الملامح بكثير من الدقة، دون أن يهتموا بالمقارعات الفكرية السائدة، فإنّ الرحالة الحجازيون اهتموا بشكل أقلّ بتلك الملامح، ووسموا مدوناتهم الرحلية، بمظهر ثقافي ديني، وظهرت الثقافة الدينية من خلال المقارعات والأحكام الفقهية، ومن خلال اللقاء بعلماء الدين في الأمصار.
وقد حاولت، ما وسعني ذلك، إلى إحداث نوع من التوازن في حجم الفصول، إلا أن فصل الفضاء الرحلي تمرّد على إرادتي، فجاء تقريباً في ضعف حجم بقية الفصول، وما ذلك إلا لأنّ الفضاءات الجغرافية والطباعية والدلالية، وبخاصة الجغرافي منها، شكّلت أرقاً لمدوني الرحلة، فراحوا يملؤون رحلاتهم بالحديث عنها. وحين حاولت أن أقسّم هذا الفصل إلى فصلين سرعان ما تراجعتُ لأنني لم أجد تسويغاً منهجياً لهذا التقسيم.
وقد حاولت في هذا البحث الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي، بمساعدة ما يحتاجه النص من المناهج الأخرى التي تفترضها الحاجة الفنية أو الموضوعية. ويمكن القول: إن عماد هذه الدراسة هو الاعتماد على المنهج التكاملي، بما تتطلبه نصوص المتن الرحلي، مع الاطمئنان بشكل أساس، ما وسعني ذلك، إلى إحداث نوع من التوازن في حجم الفصول، إلا أن فصل الفضاء الرحلي تمرّد على إرادتي، فجاء تقريباً في ضعف حجم بقية الفصول، وما ذلك إلا لأنّ الفضاءات الجغرافية والطباعية والدلالية، وبخاصة الجغرافي منها، شكّلت أرقاً لمدوني الرحلة، فراحوا يملؤون رحلاتهم بالحديث عنها. وحين حاولت أن أقسّم هذا الفصل إلى فصلين سرعان ما تراجعتُ لأنني لم أجد تسويغاً منهجياً لهذا التقسيم.
وقد حاولت في هذا البحث الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي، بمساعدة ما يحتاجه النص من المناهج الأخرى التي تفترضها الحاجة الفنية أو الموضوعية. ويمكن القول: إن عماد هذه الدراسة هو الاعتماد على المنهج التكاملي، بما تتطلبه نصوص المتن الرحلي، مع الاطمئنان بشكل أساس إلى الوصفي التحليلي الذي يعطي الباحث مساحة أكبر لإبداء الرأي والبحث عن هويته المميزة.
وبخلاف ما يعانيه الطلبة عادة من صعوبات، فقد كانت الصعوبة الأبرز هي غزارة المصادر والمراجع؛ حيث تكاثرت عليّ، فلم أدر ما آخذ وما أدع، وقد وجدت نفسي أنقاد إلى عدد محدود من المراجع، حتى لا أكون أسيرة للنظرة المرسومة مسبقاً، مع الإفادة ما أمكن من الكتب التي تناولت نظرية السرد، وكيفية الاشتغال الفنيّ عليها.
وهكذا تم رصد ما وسعنا من ملامح فنية وموضوعية في السرد الرحلي التي درسناها، والتي تنتمي إلى القرن التاسع عشر. فإن كان ما قدّمناه جيداً ومقبولاً فذلك بفضل من الله وبركة، وإن لم يبلغ المراد فالعذر أننا بذلنا ما نستطيع في سبيل إنجاز هذا البحث.
 

التعاليق

المزيد من سياسات دولية

Error Category (C-P2) - Slug (video-tubes)


تابع إفادة على:

تحميل التطبيق