
جمال فكري
و أنا أتفقَّدُ صُوَرَ و فيديوهاتِ الفرحةِ العارِمة التي خَلَّدَها فوزُ مُنتخبِنا الوطني لكرة القدم على نظيره الإسباني في مونديال قطر،رأيت وجوها كالِحة إسْتَبْشَرتْ،رأيتُ حناجرَ صَدَحتْ عاليا:”أنا مغربي و أفتخر”،
رأيتُ عجائزَ، بِالكادِ تَنتصِبُ قاماتُها، تَذرِفُ دُموعَ فرحةٍ إعْتَصَرَها الصّدأ منذ سنين،رأيتُ مغاربة المهجر يتفاخرون و يَزْهون، أمام كاميرات العالم، بإنتمائهم المغربي،صَوْتاً و صورةً،يحمِلون الأَعلامَ الوطنية،يُردِّدون شعاراتٍ تحتَ قرْعِ طُبولِ نَصْرٍ كُروي خالدٍ و تحت أضواءِ الشُّهُبِ الإصطناعية، التي تَلَأْلأتْ وُجوهُهم من جَرّاءِ وَمِيضِها على طولِ “مَدارِها” العُلوي، لِيَرْسُمَ أبْهى لوحةٍ في سماءِ غُربةٍ زَمْهَرِيرِيةٍ، تِلْكُمُ الغُربةُ التي صارتْ دافئةً بِنَشوةِ نَصْرٍ له دلالاتٌ و تَبِعاتٌ أُخرى عديدة..
رأينا كيف أن الملك محمدا السادس خرج إلى “ساحات الفرح” مُلَوِّحاً بالعلم الوطني و مرتديا القميص الوطني،يشاطر الشعبَ فرْحتَهُ وسطَ حشْدٍ عَرَمْرَم أصبَحَ حديثَ قنواتٍ دولية عديدة.
هي إشارةٌ من المؤسسة الملكية على أنها دائمةُ الحضور في الأوقات الهامة، تُنصتُ إلى نَبْضِ الشارع و تشاركُه همومَه قبل أفراحِه..
رأينا أَعْلاماً عربية تُرفرف بجوار العلم المغربي أثناء كل المباريات، في تَنامٍ مُذْهِلٍ لعُروبةٍ يجمعُها الدين و اللغة و التاريخ.رأينا كيف إجتمعت الأسرة القطرية الحاكمة مُشجعةً فريقَنا الوطني في كل مبارياته. رأينا تغريدات حكام و شخصيات عربية بارزة، على رأسها تغريدة الأمير الإماراتي “آل راشد”، تَشْحَذُ هِمَّةَ المنتخب المغربي،الذي هو الآن فريق كل العرب و هذا مُعطى يجبُ تَثْمِينُه و أخْذُه مآخذَ عديدة..
رأينا إخواننا الفلسطينيين يشجعون و يحتفلون بإنجاز المنتخب المغربي المُبهِر في قطر و في فلسطين و هي إشاراتٌ تحمل بين طَيّاتها حُمولاتٍ عِدّة بادَلَها المنتخب المغربي بِحَمْلِ العلَم الفلسطيني دُبُرَ نهايةِ المباراة التاريخية مع الإسبان، في تناغُمٍ تامّ و كأنَّ لسانُ حالِهم جميعا: أنتم معنا و نحن معكم..مصيرُنا واحد..
رأينا بمُدرجات ملعبِ قطر كذلك صورةً”لأحمدالمرزوقي”،المعتقلُ السابق بسجن تازمامارت الرّهيب- الذي قضى هناك ما يناهزُ عشرينا سنة من الإعتقال- يشجعُ أسود الأطلس، مُرتديا قميص مُنتخبنا المغربي،في أروعِ صورةٍ ممكن أن يراها المرءُ من الوطنية الصادقة و التأكيدِ على الإنتماء الى الأتْرِبَةِ الزّكية لِبلدِنا الأبِيّ، رغم الأخطاء الجسيمة التي مُورِسَتْ في حقّ بعض مُعْتَقَلي الرّأي التي حاولت هيئة الإنصاف و المُصالحة،في إطار جَبْرِ الضّرَر، أن تُعالجَه من 2003 إلى 2006..
كلُّ قلوبِ المغاربة إذن إجتمعتْ على كلمةٍ سَواء: المغرب.
نحن مُطالَبون اليوم بإستثمار مَنسُوب الوطنية الصاعد لتحقيقِ مزيدٍ من النّماء داخل بلدنا. كلُّ هذا الحُب،كلُّ هذا الهيجان العاطفي، يجب ألاّ يَذهبَ أدراجَ الرّياح.هي رسائلُ إذنْ لِلَمْلَمَةِ شَتاتِ جُهودِنا و عَثَراتِ سِياساتِنا الشّارِدة.رسائلُ عُنوانُها:الآن ! الآن الآن، لِأخذِ زِمام الأمور،فَقَلّما يحدثُ عِندَنا إجماعٌ كما نحنُ عليه الآن..
هناك عناوينُ عريضة، برْمَجَتْها الحكومةُ، تَصُبُو إلى النهوض بالشِّقّ الإجتماعي خاصة، لكنْ وجبَ تسريعُ الأداء الحكومي أخْذاً بِضَبابِيةِ الإنتِظارات لَدى الغالبية العُظمى بالبلد و هذا شيء لا يجبُ إغفالُه،لأنه يفتحُ بابَ التأويلات السِّلبية التي،بالتأكيد، ليست في صالح هذه الحكومة و كذلك ليست في صالح البلد..
أضف تعليقك