مصطفى المنوزي
عندما تحصل التحولات المذهبية والثقافية بقرار من العقل الأمني العالمي يحصل الصدام العنيف أثناء التفعيل القسري ، ولربما ما يجري في الشرق الأوسط له علاقة بقرار الغرب بفك الإرتباط بالوهابية وتنظيم الإخوان المسلمين . هذا جزء من الإستنتاج الذي عبرت عنه في ندوة وطنية نظمها نقابيون إعلاميون بطنجة بمناسبة 16 ماي والتي شاءت الأقدار أن يجمع أي التاريخ ( عن غير وعي وتصميم ) الذكرى المشؤومة لما أطلق عليه الظهير البربري الذي وقعه السلطان محمد بن يوسف رغم إعتراض مستشاره ( ضمن أهل الحل والعقد ) الفقيه عبد الرحمان بلقرشي في نفس اليوم من سنة 1930 . كما أنه في نفس اليوم من سنة 1956 تم الإعلان الأمن الوطني بتأطير من خبرة أجنبية متعددة الجنسيات وبقيادة من قدماء المحاربين وخريجي المدارس الأجنبية وعلى رأسهم محمد أوفقير وأحمد الدليمي والمحجوبي أحرضان وبعض الأطر الحزبية والأكاديمية حيث المشهور من بينهم الإستقلالي إدريس المحمدي والشيوعي الأسبق إدريس السلاوي وغيرهم ممن صاروا ضمن مربع الهندسة الأمنية وصناعة السياسة العامة . ثم الذكرى الأليمة ليوم 16 ماي 2003 والتي أتت على بعض التراكم الإيجابي ؛ لكن المهيكل لمقتضيات المفهوم الجنيني الجديد للسلطة والعدالة ؛ والذي حاول العهد الجديد أن يتميز به عن العهد البائد ، ماضي سنوات الرصاص والذي لا يريد أن يمضي ، بعدم جدية إرادة الدولة في تفعيل الشق السياسي من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، خاصة التوصية المتعلقة بالحكامة الأمنية وضمانات عدم تكرار الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان .
قد يكون هذا إستطراد للتأكيد على أن حصول التحول مشروط بحجم التراكم الكمي وخصوصا على مستوى الحوار / الصراع الفكري والثقافي في ظل منظومة تقليدانية تستفيد من وعاء الأصولية الدينية لتغترف منها شرعيتها وتبرر بها ” إكراهات التحديث السلطوي ” ، وتشرعن بها كل المبادرات التشريعية خاصة فيما كل ما يرتبط بالمنظومة العقائدية و التربوية والأسرية . من هنا وجب التأكيد على أن التراكم في مجال التفكير النقدي ومحاولات حلحلة المطالب المرتبطة بقضايا الحداثة والتحديث يتم إجهاضها بسبب سطوة المقاربة الأمنية بدعوى حفظ النظام ومحاربة الإرهاب ، مما يكرس قاعدة ” الإصلاح السياسي من أجل التحريك ” عوض ترسيخ قاعدة ” الثورة الثقافية من أجل التغيير ” ، وبالتالي نكون أمام سياسة الأمر الواقع تكرس تعايش أنماط إنتاج ( مادية وفكرية ) تهيمن عليها وتسيطر عليها دون منازع ، وبمظاهر حداثية ، التقليدانية بما جميع تلاوينها وبمضامين سلفية متشددة أحيانا وسلفية اعتدالية شبه متنورة أحيانا أخرى ، وذلك حسب حاجيات الطلب الأمني الدولي او المحلي وما قد يترتب عنه من تحديات وصدامات مرتبطة بتعقيدات الإصطفاف والإنفتاح في ظل تصاعد المد المحافظ وخاصة بعد قصة 11 شتنبر وما تلاها من إنتعاش الحرب على الإسلام الجهادي . ليطرح السؤال هل يمكن الجزم بنهاية ” الإسلام السياسي ” ؟ أم أن الدولة لا زالت في حاجة إلى مزيد من الإستثمار في الشرعية الدينية ، رغم مخاطر المنافسة من قبل قوى المحافظة المنظمة أو المتحزبة ، ورغم الإمكانيات التي يوفرها إمتياز مقتضى التحكيم الدستوري لتدبير الإختلاف و التعددية والتنوع الذي يزخر بهم مغرب جهات والمكونات الغنية الثقافية واللغوية والدينية ، كمحفزات لكل إنتقال سياسي وأمني وحداثي في أفق دمقرطة الدولة والمجتمع ؟
أضف تعليقك