ماذا كان سيحدث لو أن فلودومير زيليسينكي رئيس أوكرانيا ومعه بايدن وأوروبا الغربية أخذوا بجدية مقال فلاديمير بوتين الذي نشره يوم 21 يوليو من السنة الماضية وطرح في خمسة الف كلمة رؤية موسكو تحت عنوان:
“On the Historical Unity of Russians and Ukrainians“
كل ما فعله زيليسينكي بعد نشر بوتين لهذا المقال أن رد ساخرا:”يبدو أن بوتين لديه الكثير من الوقت ليكتب مقالا من خمسة الف كلمة!!”، متجاهلا، او جاهلا ان المقالات المطولة تكون مليئة بالمعلومات والكثير من التحذير، فما بالك حين يكتب رئيس ذو خلفية استخباراتية مقالا من هذا النوع.
المقال الذي كان الى يوم أمس متوفرا على موقع الكرملين، أصبح صعبا الوصول اليه بعد تحديد الولوج اليه، هو بمثابة ورقة استخباراتية طرحها بوتين الى العالم علنا تماشيا مع نهجه الصريح، والواضح، امام الغرب المتذبذب.
قابل الاعلام الغربي هذا المقال بالتجاهل، ربما تماشيا مع طبيعة الاستخبارات الغربية التي تفضل نهجا مخالفا لفلسفة بوتين الاستخباراتية يقوم على الغموض، والتضليل، للتستر على مكامن الضعف، او الحفاظ على المعنويات مرتفعة، وهو ما لمح اليه وزير الخارجية البريطاني السابق William Hague في مقاله على The Times تحت عنوان:”How the Ukraine crisis plays out in Putin s head” والذي استهله بقوله:”منذ بدأت اكتب عن نوايا فلاديمير بوتين وانا اتلقى طلبات بان احافظ على المعنويات مرتفعة”.
وحتى اليوم، والاعلام الغربي يسلط الضوء على مقال بوتين الشهير يقتطف منه فقط ما يتماشى مع رؤية الغرب التي تحاول تصوير بوتين على أنه الجار السيء الذي لا يكتفي بتهديد أوكرانيا بل العالم أيضا من خلال نقل القوة the power من الغرب الى الشرق، واسقاط النظام العالمي الحالي، واقامة اخر جديد يكون فيه الشرق(الصين وروسيا) الحاكم الأساسي وأقله يتقاسم العالم مع من احتكروه منذ 1991.
حتى اليوم، يحرص الاعلام الغربي على عدم نقل الحقيقة كاملة، والتي كتبها فلاديمير بوتين في مقاله ذاك حين قال:”باسم كلمات النبي Oleg لنجعل كييف أم المدن الروسية”.
يكتفي الاعلام الغربي بالترويج ان بوتين يهدف الى تقسيم اوكرانيا، ومنعها من الالتحاق بالناتو حماية لأمن روسيا، ووضع يده على السلاح النووي، واسقاط الحكومة الحالية، وتنصيب رئيس جديد موال ل روسيا، دون أن يجرؤ على وصع الأصبع على ما أسهب بوتين في الحديث عنه في مقاله ذاك وهو توجهه الديني، وانتماؤه للكنيسة الارثوذكسية التي يفخر رئيسها في روسيا الاب كاريل انه يتم بناء ثلاث كنائس في اليوم، وأن كنيسة خاصة بالجيش الروسي شيدت على بعد ساعة من موسكو.
يتجاهل الاعلام الغربي وهو يغطي احداث أوكرانيا الحديث عن “النبي بوتين” الذي يرى نفسه امبروطور روما الثالثة، الذي سيعيد الى المسيحية أمجادها بدءا من الدفاع عن سوريا ضد داعش دفاعا عن المكان المقدس الذي نزل فيه المسيح، وليس انتهاء بأوروبا الغربية نفسها التي تخلت في نظره عن المسيحية وعليه هو مسؤولية مصالحة مواطني أوروبا مع الرب، وجعلهم يحجون إلى كييف مهد الخلاص المسيحي كما يراها بوتين.
وحده وزير خارجية بريطانيا الاسبق William Hague كان صريحا مع شعب أوروبا حين نبه في مقاله الى الشق الديني في مقال بوتين المطول، وقال ان بوتين يراهن على عودة ترامب ليكمل ما بدأه سنة 2016.
سيتستر الاعلام الغربي على الكثير وربما تحت ضعط أجهزة الاستخبارات نفسها بدعوى الحفاظ على معنويات الشعوب لحماية الأمن القومي، لكن ما يجب علينا نحن الموجودون في هامش خارطة العالم تعلمه، وبالضبط من فلاديمير زيلينسكي الذي اوصلته الثورة البرتقالية والربيع الاوكراني الى الحكم، أن أربعة لا يصلحون للحكم:
-ممثل كل رأسماله جماهيرية شعبوية رفعته الى سدة الحكم
-رجل أعمال يرى الرئاسة والسياسة لا تختلف عن ادارة ثروته
-رجل سياسة كل رأسماله الخطابة والحماسة والتنكيت والسخرية والهجاء
- ورابعهم اولئك المتخندقون في ساحة “المؤثرين influencers”،
لا يمكن ان تدير دولة بهؤلاء فقط، وهي الخطيئة التي ارتكبها زيليسنكي حين اعتقد ان اصوله اليهودية، وعلاقته بالاثرياء، وانتخابه بالديمقراطية، والجماهيرية، ودعم الغرب، وعلاقته ب إسرائيل، تكفي لحمايته رئيسا لدرجة انه عين اصدقاءه الممثلين والمنتجين ومشاهير السوشيل ميديا في مناصب حساسة، وأسقط من باله أن نظاما بدون الدولة العميقة، وبدون اجهزة الاستخبارات، لن يقوى على مواجهة رجل دولة مثل فلاديمير بوتين قال عنه وزير الخارجية البريطاني الاسبق William Hague:”يؤمن فلاديمير بوتين أنه يمكن تحقيق مكاسب بالحيل الاستخباراتية أكثر مما يمكن تحقيقه بالحيل العسكرية وحدها فقط”.
أضف تعليقك