
لقجع ضيف الباطرونا
قبل إعداد مشروع قانون المالية، تتوجه الحكومة إلى نقابة الباطرونا للاستماع إلى شروطهم وتوجيهاتهم ومطالبهم، التي تُؤخذ بعين الاعتبار وتُدرج في المشروع بشكل شبه كامل. ومن يشك في ذلك، يمكنه قراءة وثائق الباطرونا التي تتضمن ما يسمى “مقترحاتها”، وهي كلمة تُستخدم هنا تجاوزًا. كما يمكنه الاطلاع على مضامين قوانين المالية، وخاصة ما يتعلق بالشق الضريبي والجمركي.
وعندما يتم اعتماد قانون المالية من طرف البرلمان، غالبًا كما جاء في صيغته الأصلية، لأن الحكومة تحمي دائمًا مشاريعها بموجب الفصل 70 من الدستور بدعوى الحفاظ على التوازن بين المداخيل والنفقات، تعود الحكومة إلى الباطرونا، الممثلة أصلًا في مجلس المستشارين بفريق خاص، لتسألهم: “كيف وجدتم القانون؟ هل كان كما طلبتم؟” وتشاركهم الفرحة بالانتصار على كل من يطرح رؤية مغايرة أو إصلاحًا ضريبيًا مختلفًا.
نقابة الباطرونا، على عكس ما قد يوحي به البعض، تمثل المصالح الكبرى المهيمنة والمحمية في البلاد. كما يظهر من خلالها التداخل بين السلطة والمال. وهي لا تمثل بأي حال من الأحوال المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تشكل أكثر من 90% من النسيج المقاولاتي بالمغرب. بل إن الفيدرالية الخاصة بهذه المقاولات، التي أُنشئت ضمن هذه النقابة، كانت قد انتفضت سابقًا ضد ممارسات القوى المهيمنة، وقررت الانسحاب احتجاجًا.
العجيب في “المشهد” هو حلول الحكومة ضيفة على نقابة الباطرونا لـ”تشرح” لهم ما يعرفونه جيدًا، لأنهم من ضغطوا لتحقيق مصالحهم منذ البداية. فالإصلاح الضريبي الذي طُرح في المناظرة كان في الأساس موجّهًا لخدمة مصالح الباطرونا، وترأسه محمد الغالي برادة، الوزير السابق والاقتصادي المعروف.
لقد كنت حاضرًا تلك المناظرة، وأستطيع التأكيد أنها كانت أشبه بجوقة تمرر فيها الباطرونا الكبيرة مطالبها، مثل تخفيض الضريبة على الشركات إلى 20% مع الحق في الخصم الذي يخفض المعدل الفعلي أكثر. كما تضمنت رفض فرض ضرائب تصاعدية على الدخول العليا، ليبقى الموظفون خارج السلم والمليارديرات يدفعون النسبة نفسها، وهي 37%. في المقابل، يُرمى العبء الضريبي على أوسع فئات الشعب من خلال الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 20%، ما يزيد من الأعباء في ظل التضخم.
ومن المثير للدهشة أن هذه القرارات ليست مفروضة من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، فهذان المؤسستان ينشران كل توصياتهما بشكل علني. بل إن الاتحاد الأوروبي نفسه، عبر مندوبه موسكوفيتش، حضر المناظرة ليعبر عن استيائه، قائلًا: “لقد بالغتم”، بعد أن وضع المغرب في اللائحة الرمادية، وكان يهدد بإلحاقه باللائحة السوداء بسبب ما اعتبره “منافسة ضريبية غير شريفة”.
زيارة فوزي لقجع، بصفته وزيرًا للميزانية، لنقابة الباطرونا أكدت أن الحكومة والدولة بشكل عام لا تهتم إلا برضا المليارديرات والمصالح الكبرى، بينما تُترك بقية المواطنين لمواجهة مشاكلهم اليومية، ما يُعتبر وسيلة لتنويم وعيهم وإخضاعهم لخدمة مصالح الأثرياء.
هذه الفئة من الأثرياء تُلقب بـ”الأبطال الوطنيين”، وتحظى بدعم الدولة التي تخدمها بقراراتها المختلفة، سواء عبر السياسة الضريبية أو صفقات الميزانية المعدة خصيصًا لهم، فضلًا عن قرارات تتعلق بالمناجم، الأراضي الزراعية، الثروة البحرية، والعلاقات الخارجية. باختصار، كل شيء موجه لخدمتهم، والبقية لا يُمنحون سوى الفتات، إن جاز التعبير.