لازمة الرفض في قصيدة : زهرة على كتف كيوبيد
أبى الناقد والشاعر العراقي المقيم بالدانمارك :علاء حمد إلا أن يقدم دراسة نقدية ممتعة و مفيدة، آثر بها أن ينطق حروف الشاعرة التونسية المتألقة :سهام محمد. هو الذي لم يأبه لزمهرير الغربة، فراح يناجي خلجات الشعر الدافئة بين أحضان الإستتيقا و المعاني الضاربة في عمق وجدان الروح..
أرجو أن ينعم القراء بلذة هذا النص الشعري الذي نضعه بين أيديهم:زهرة على كتف كيوبيد .
فسحة شعرية ممتعة.
****
زهرة على كتف كيوبيد : زهرة حطت على كتف آلهة الحب ( كيوبيد ) ، يالعنونة المباغتة للاخر ، كأن الزهرة عصفور أو طير أراد أن يمتد بالمعنى وقد حمل رسالته من الباث الى ( كيوبيد ) .. نحن أمام تجليات شعرية بداية من الحالة السيميوطيقية وعلاقتها بالعنونة ، والعنوان له علاقاته مع ذاتية ( الشاعر ) ومن هنا تبدأ رحلة الشعر نحو جسد النصّ ، وليس بالضرورة أن يكون العنوان جزء من النصّ ، ويكفينا أنه أشار الى ذاتية ( الباث ) والباث تشكيل أولي وأحد أدوات النصّ الشعري .. كما يثير العنوان الكثير من أدوات الإستفهام والتساؤلات مما يقود المتلقي الى جسد النصّ الشعري بحثا عن إجابات وذلك لإسقاطها عن العنونة .. وهذا يعني تنمو العنونة ضمن وظيفة إغرائية تحريضية ..
نحن لسنا بزمن الإغريق طبعا ، ولكن الشاعرة التونسية سهام محمد اتخذت من الزمنية التاريخية تلك المهمة المنتشرة نحو ( الحب ) وهي حالة إغريقية مشمسة ، وحتى في زمن الإغريق ، كانت الرسائل وتبادلها وأول مطلع ( على الظرف ) يبدأ العاشق بشطر أو شطرين من الشعر ( حسب ماجاء به الناقد عز الدين اسماعيل ) ومن هنا تكونت لدى الشاعرة سهام ذاتية أخرى ، ألا وهي ذاتية الآن ، فارتبطت الزمنية بلحظة آنية ، مابين الماضي والان ، ومابين المستقبل والان ، وقد أكد أرسطو حول هذا الارتباط الزمني أيضا . لذلك ومن هذا المسلك التصديري مابين ( الأنا ) الداخلية للشاعرة و( الأنا ) الخارجية ، والتي قد تمثل الآخر أيضا ، يتم تطابق الموضوع مع النصّ ، فالتصدير الأولي عندما يبدأ بالأنا ، فهذا يعني مازال النصّ معلقا ليبحث عن معان جديدة :
يا أنت..
يا قصيدة تؤرخ الإبتداءات
لكل بحور الشعر
على فضاء شاعرة متمردة
شاعرة فقط
تسبح في سماء عينيك
كغمام أليف
كرؤى تتناسل من سدرة المنتهى
..
بين الاستعارات الضمنية وحالات التشبيه تنطلق الشاعر ( وكما قلت الان ) فتتحول المعاني الى أثر ، وهذا الأثر له علاقة مابين الحالة الاغريقية وحالة الشاعرة القلبية ، فهو امتداد في المعنى ، فيصبح لنا أثرا ذات خصوصية ومتحولات ، نعم تحولات من الذات العاملة والتي استطاعت أن تغزو المتلقي الى الذات الخارجية والتي بنت علائقها مابينها وبين الأثر وفعاليته : تسبح في سماء عينيك + كغمام أليف + كرؤى تتناسل من سدرة المنتهى .. هي حالات من التشبيه وحالات تعني لنا التمثيل الفعلي وهي تطرق أبواب النصّ ، ليتحول من الذات الى الاخر ، عبر مساحة مرسومة ببطء .. فالأثر تحول بالتشبيه الى صور متواصلة ، بالرغم من التصوير الكلي للنصّ ، ولكن هناك جزئيات هي التي ارتبطت مابين النصّ الشعري الكلي ومابين تلك الجزئيات التكوينية ..
يا أنت.. + يا قصيدة تؤرخ الإبتداءات + لكل بحور الشعر + على فضاء شاعرة متمردة + شاعرة فقط + تسبح في سماء عينيك + كغمام أليف + كرؤى تتناسل من سدرة المنتهى
نحن أمام شاعرة تسبح بعينيها وتعوم مابين أمواج النصّ الشعري ، ومن هنا تم احالة النصّ ومايحويه ، بداية من العنونة من زمن ( ماض – الزمن الإغريقي – ) الى زمن حاضر ، باعتبار الشاعرة هي الان وليس في زمن مضى .. مما حررت جزء من عملها الذاتي وأطلقته نحو الاخر ، فالتمرد يتطلب ذلك ، ويتطلب أن تكون آحادية ، وما بين الفضاء والمنتهى ، تقف الجمل باعتراف غير منتهي ، وذلك لأن الفضاء واسع وله زواياه التي لاتحصى ، بينما المنتهى حالة واحدة ، وهي حساب من حسابات الذهنية ومؤثراتها النفسية وكيفية معيشة الشاعرة وما يدور حولها ..
على كتف كيوبيد
مثل زهرة اللوتس المقدسة
وراء هذا الليل المسكون بك
فجرا يمسد ضبابه
و يمسح الملح
عن عيون المدن الحمراء….
..
تواجد الملح هذا يعني تواجد الماء أيضا ، وعملية توظيف اللون الأحمر والذي يرمز الى العشق ، هي عملية ترابطية مابين كيوبيد ( آلهة الحب ) ومابين المكون المطروح في النصّ ، وأعني به الذات العاملة والتي وظفت المعاني وأخرجتها بالشكل الرؤيوي للاخر ..
مايعنيني من النصّ الذي اعتمدته الشاعرة سهام هو لازمة الرفض ، الرفض بداية من الذات ، والرفض وما حولها ، مما تدعو دعوة ذاتية الى تحرر المحسوس لديها ..
على كتف كيوبيد + مثل زهرة اللوتس المقدسة + وراء هذا الليل المسكون بك + فجرا يمسد ضبابه + و يمسح الملح + عن عيون المدن الحمراء….
التكرار عادة يولد الجمال ، ولكن نحن مع تأكيدات لتلك المفردة العائمة على سطح المخيلة لاستنطاقها ، وليس هناك حالات غائبة سوى ( آلهة الحب ) ؛ إذن نضيف الى العنصر الغائب حالة من الدلالة المفتوحة لكي نرصد حضوره المستمر ، وهذا مافعلته الشاعرة سهام محمد ، وكأننا أمام تفعيل متجدد لـ ( آلهة الحب ) وفعلا أن الالهة تعني التفعيل والتجدد أيضا ، فمعاني الحب كثيرة واعتبرها من المفردات الذكية .
التفعيل الحركي :
ليس كل الموضوعات قابلة للإدراك بشكلها المباشر قد تقودنا بعض العلامات الى الرمزية أو الايقونية أو إيقونية ، فالتفعيل هنا هو تفعيل حركي ، جرت الحالة مابين البصرية وصورتها المصغرة ، لذلك نقول أن البصرية هي عبارة عن كاميرة مصغرة ، وهذا مايدفع الى مرور الصورة بواسطة الضوء الى العينية ، فأطلقت عليها بالصورة العينية ، ونعني بها ، التصوير العيني – البصري ؛ لذلك نقول الإدراك البصري ؛ وهي حالات صحيحة تماما ، وقد كتب العديد حول ذلك ..
ثلاثون عاما ونيف ..+ وأنا أصنع من نثار وقتي + نظرة متقدة….أخبئ فيها القلب + ريثما تحترق المسافة في رأسي
منذ ثلاثين عاما ونيف : قد يكون هو عمر الاستقرار الزوجي لدى الشاعرة سهام محمد ، فرسمت تلك الزمنية وأرادت أن تقولها مع علاقات ذاتية ، واذا دلت الجملة فهي تدل على زمن قد مضى ، والان يختلف عن الآن الماضي ، في طبيعة الحال هناك تراكمات كثيرة تغزو المخيلة مما تبعث الى الحزن والى كم من الإنتقاد ، وإن كان هذا الإنتقاد ذاتيا – ذاتيا ، أو إذا كان ذاتيا خارجيا .. ونلاحظ مابعد الجملة الأولى تراكم الأفعال وحركتها ، وهي أفعال مضارعة وأن كانت لاتعني بزمن قريب فهي تكون معنا الآن ، لأن تفكير الشاعرة سهام محمد هو تفكير آني ..
نصّ لابد الوقوف حوله وتبيان الاثر النفسي للشاعرة وما حولها ..
زهرة على كتف كيوبيد
ثلاثون عاما ونيف..
وأنا أصنع من نثار وقتي
نظرة متقدة….أخبئ فيها القلب
ريثما تحترق المسافة في رأسي
و ينهض الإنهمار من نوم مجاز الشعر
في قصيدتي المدججة بأحلام فينيقة
هناك…………..أين رأيتني فيك
لم أشأ أن أصحو
خوفا من أن يجف الحلم
يا أنت ….
يا قصيدة تؤرخ الإبتداءات
لكل بحور الشعر
على فضاء شاعرة متمردة
شاعرة فقط
تسبح في سماء عينيك
كغمام أليف
كرؤى تتناسل من سدرة المنتهى
كإبتسامة تتفتح …نعم تتفتح
على كتف كيوبيد
مثل زهرة اللوتس المقدسة
وراء هذا الليل المسكون بك
فجرا يمسد ضبابه
و يمسح الملح
عن عيون المدن الحمراء…
سهام محمد /ع.الحرف