كوميديا
كان شابا، مراهقا، وخجولا، ومع ذلك استطاع أن يكسب لنفسه شيئا من التميّز بفضل ولعه الشديد بطرح الأسئلة… يملك موهبة خطيرة في تحويل أي جواب وكل يقين إلى شك وسؤال مُلِح.. أتذكر أن أستاذ علم الكلام سألنا مرة: ” هل الإنسان في هذه الحياة مخيّر أم مسيّر ؟” أخرس السؤال عقولنا الفتية لعمقه وجديته… فجأة صاح صديقنا في وجوهنا متحديا خجله… انتبهوا، هذا السؤال ملغوم، بل فخ منصوب، فسواء أجبتم، بكون الإنسان مخيرا أو بكونه مسيرا، وقدمتم كل ما تملك عقولكم من براهين وأدلة، لا تعلمون من دسّها في أدمغتكم البلهاء… ستقوْلبون كما تقولبَ آباؤكم و أجدادكم و ستسقطون حتما في مستنقع الايدولوجيا … ستتأدلجون كما أدلج من سبقوكم. وسيأتي يوم، يتحكم في رقابكم كل من هب ودب من جهلة و أميين.. انتبهوا… لسنا مخيرين ولا مسيرين، نحن مسخسخين، مضطهدين ، معذبين في الأرض وفي السماء بحول الله، نحن غير موجودين، لا حاضر ولا مستقبل ولا ماض لنا…
صدم الأستاذ وفغر فاه أفسد هذا التلميذ استراتيجيته الديداكتيكية، جلس مشدوها بهذا المشهد.
أما نحن فلم نأبه بشيء، لا بالأستاذ و لا بالتلميذ وعدنا مباشرة لأحاديثنا الثنائية اللذيذة بعيدا عن إشكالية علم الكلام وعلم الصمت…. لأننا جميعا كنا نعرف بأنه لا يستوعب ما يقول كعادته، وأنه سينسى كل شيء قاله بعد خروجنا من الفصل، وأنه ليس من هواة التفلسف… بل هو عاشق متيم بزميلته في الصف، وربما يدخل هذا ضمن إستراتيجيته للدخول لقلبها… كان وجودها هو قوته وضعفه وفلسفته أيضا…
ما وقع بعد ذلك، قيل بأنه قد تزوجها فصارت تسيره وتخيره كالخاتم في أصبعها…