
فيلم “إيمي” عمر قصير من الجاز
قبل 47 سنة مضت، وُجد عازف الغيتار وعضو فرقة “رولينغستون”، باين جونز غارقاً في حوض السباحة في بيته جنوب إنجلترا، عن عمر 27 سنة، آنذاك و باستثناء حسرة الناس على رحيل موهبة كبيرة مبكراً، لم ينتبه أحد إلى مسألة العمر كرقم، لكن لاحقاً، وبعد أن تكرّر موت فنانين وموسيقيين آخرين في العمر نفسه، أمثال المغنية جانيس جوبلين، جيم موريسون وأسماء أخرى وصلت إلى 24 اسماً، أطلق الناس على هذه المجموعة”نادي 27 المشؤوم”. وكانت مغنية الجاز إيمي واينهاوس آخر الملتحقين بهذا النادي عندما رحلت يوم 23 يوليو 2011، وعن حياتها قدّم المخرج الإنجليزي آصف كاباديا فيلماً وثائقياً يحمل اسمها، ليحصل عنه على أوسكار أفضل فيلم وثائقي عام 2015.
الفيلم الذي يسترجع حياة مغنية اعتبرت من أكثر الفنانات موهبة في العقد الأول من الألفية الثانية، خصوصاً بعد أغنيتها Rehab، تأخّر عرضه كثيراً في دور السينما العربية، كما أنه لم يعرض في الكثير منها.
الوثائقي يستعرض تفاصيل حياة واينهاوس القصيرة، منذ أن كانت تتسلّى صغيرة بترديد أغاني توني بينيت إلى أن وقفت في حفل الـ غرامي، وأعلن هو بنفسه فوز أغنيتها”ريهاب” بأفضل أغنية سنة 2008، متفوقة على نجوم البوب أمثال بيونسيه وجاستن تامبرليك…(الأغنية التي قالت فيها أرادوا أخذي لمصحة التأهيل لكني قلت لا لا لا).
قدّم كاباديا تفاصيل كثيرة وغنية عن حياة إيمي، عاد إلى أصدقاء طفولتها وكل من كانت له حياة مشتركة معها لورين جيلبرت وجولييت أشبي و نيك شايمنسكي…، ومن عملت معهم وحتى حرّاسها قدموا شهادات عنها.
باستثناء بعض التأطيرات لأمكنة مهمة في مسيرة صاحبة “عودة إلى الأسود”، مثل الأستوديو الذي شهد أول تجربة أداء لها… لم نشاهد أي تسجيل حديث،كل المشاهد التي قدّمها كاباديا هي أرشيف متفرّق جمعه بمجهود كبير من عند أصدقائها وعائلتها، واعتمد أيضاً على حفلاتها المصوّرة وعلى حواراتها الإعلامية، وشكّل من خلال ذلك قصّة عنها.
يبدأ الفيلم بأقدم تسجيل عن إيمي، في عيد ميلاد صديقتها لورين جيلبريت، تغني بحميمة مع صديقاتها ويدعوك صوتها أن تفكر قليلاً؛ إن كانت هذه الفتاة ستصير مغنية، فلا شك أنها ستكون عظيمة. إيمي كانت معروفة لدى محيطها أنها مولعة بالجاز، تقول عن نفسها “لقد كنت أحب الجاز فقط، وتعلّمت كل شي عن طريق الاستماع إلى العظماء، ديانا واشنطون، سارة فوغهن، توني بينيت”، لكنها لم تكن تفكر أن الغناء سيصير مهنة لها. كانت تمتلك منذ البداية شخصية فنانة،وترى في أغاني البوب التي كانت تحتل المراتب الأولى في سباق الأغاني مجرد هراء، وكانت تركز على الجاز الذي رأت فيه فناً حقيقاً.
عاد كاباديا في “إيمي” للعمل بنفس الطريقة التي قدّم بها فيلمه “سينا” (2010) عن حياة سائق الـ “فورمولا 1” آيرتون سينا الذي توفي في حلبة السباق بسان مارينو عام 1994.هنا، يقدّم حياة إيمي بنفس الطريقة وينجح في الوصول إلى مجموعة مهمة من الصور والفيديوهات عنها، يرسم عمرها القصير بواسطة هذا الأرشيف. ويحضر الكثير من محيط الشابة الراحلة بصوت خارجي فقط، وقد أضاف الكلام بنبرة حزن بموازاة الصور المعروضة لها الكثير من العاطفة إلى الشريط. لكن كاباديا لم ينتبه إلا أن الاعتماد كلياً على فيديوهات قديمة جعل الفيلم يبدو في فترات منه وكأنه سهرة عائلية لأسرة تحنّ لمشاهدة أرشيف ماضيها.
قد يكون جمهور إيمي غير محتاج لفيلم وثائقي يشرح له قدر موهبتها، ولا وقوعها ضحية استغلال من المقربّين، أو حتى موتها بسبب إدمانها الكحول، أو فيلم يذكّره بنجاحاتها وإخفاقاتها. لكن الفيلم الذي أخرجه كاباديا لا يدّعي أنه يقوم بهذه الأدوار بقدر ما أنه فيلم يغطي حياة إيمي ويمكن الرجوع إليه في كل مرة يحنّ محبوها إليها، هو فيلم يقدّم حياة فنانة وكأن عمرها القصير كان عبارة عن مهمة جاءت تؤديها، تذكر فيها الناس بفن عظيم هو الجاز.