مراسلة : فاطمة حطيب
لا حديث هذه الأيام إلا عن التصعيد الذي بات يطبع العلاقات بين إسبانيا و الجزائر، حيث جوهر الإشكال يتمثل في الاعتراف و الدعم الإسباني للموقف المغربي من الصحراء.
و لعل مسألة الاعتراف هاته، باتت الكابوس المرعب الذي أرق حكومة الجزائر، إن لم نقل البوصلة التي أصبحت تؤطر سياستها و توجهها.
و تتلخص أطوار الأزمة بادئ ذي بدء، في الرسالة التي بعث بها “بيدرو سانشيز”، رئيس الحكومة الإسبانية في الثامن عشر من مارس الماضي، و التي دعم من خلالها المقترح المغربي، المتمثل في منح الحكم الذاتي للصحراء، تحت السيادة المغربية.
هذا الموقف أجج حفيظة الجزائر، حيث اعتبرته تخليا لإسبانيا عن دور الحياد، ناعتة إياها بانتهاك التزاماتها القانونية و الأخلاقية و السياسية، فكيف إذن سينعكس هذا التوتر بين الجانبين، على العلاقة بين البلدين من جهة، و على العلاقة بين الجزائر و الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى؟
في خطوة غير مسبوقة، و على خلفية دعم إسبانيا للموقف المغربي من الصحراء، أعلنت الجزائر عن سحب سفيرها من مدريد للتشاور، ثم يأتي بعد ذلك خطاب “سانشيز” أمام البرلمان الإسباني، النقطة التي أفاضت الكأس و عجلت بعملية تعليق “معاهدة الصداقة و التعاون و حسن الجوار”، التي جمعت بينهما لأزيد من عشرين سنة.
و يبلغ التصعيد أوجه في اتخاذه منحى اقتصاديا، تمثل في إعلان “جمعية المصارف الجزائرية” من خلال بيان له، حظر كل عمليات الاستيراد و التصدير من و إلى إسبانيا، بحيث و بناء على هذا، فقد أكدت صحيفة الفايس الإسبانية أن الأزمة الدبلوماسية مع الجزائر، تعرض أكثر من 3 مليارات دولار من الصادرات للحظر.
و قد نقلت الصحيفة عن مصادر في القطاع المصرفي، أن الوضع يشبه العقوبات التي تبناها الاتحاد الأوروبي و أمريكا ضد روسيا بعد هجومها على أكرانيا، في حين تظل إسبانيا مطمئنة على حصتها من الغاز، بحكم أن الاقتصاد الجزائري يعتمد بشكل كلي على صادرات الغاز.
و تأتي مبررات الجزائر لتعليق المعاهدة في بيان رئاسي يقول: ” إن موقف الحكومة الإسبانية ينافي الشرعية الدولية، التي تفرضها عليها صفتها كقوة مديرة لجهود الأمم المتحدة، تتحمل السلطات مسؤولية التحول غير المبرر لموقفها الداعم للصيغة غير القانونية، و غير المشروعة للحكم الذاتي المقترح من قبل القوة المحتلة”.
و كرد فعل من جهتها، تقدمت الخارجية الإسبانية بشكوى أمام الاتحاد الأوروبي في دفاعها عن مصالح الشركات، كما دافع رئيس الحكومة الإسبانية “بيدرو سانشيز” عن تحول الموقف الإسباني بشأن قضية الصحراء، باعتبار أن الحكم الذاتي لتلك المنطقة هو ” الأكثر جدية و مصداقية و أساس واقعي”.
و في تطور جديد بخصوص التصعيد الجزائري ضد إسبانيا، فإن هذه الأخيرة تتهم روسيا بضلوعها في هذه التوترات، حيث أكدت جريدة “إلبايس الإسبانية” أن رائحة روسيا تشتم في قضية الضغط الجزائري على إسبانيا، حيث نقلت الجريدة عن مصادر أوروبية الدور الذي لعبه وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافلوف” بهذا الخصوص لدى زيارته الجزائر في العاشر من ماي الماضي.
و قد أكد نفس المصدر أن لروسيا يدا في هذا التصعيد الأخير، بهدف إثارة أزمة في منطقة المتوسط، و ذلك من خلال تنسيق إستراتيجي روسي جزائري، هدفه إعادة تحريك نزاع الصحراء، كما صرحت وزيرة المالية الإسبانية “ناديا كالبينو” “أن الجزائر تنحاز بشكل متزايد إلى روسيا”
من جهته يدخل الاتحاد الأوروبي على خط الأحداث “لينتقد تعليق الجزائر لمعاهدة الصداقة مع إسبانيا، و يلوح بأنه قد يعد ذلك انتهاكا لاتفاقية الشراكة مع إسبانيا”، فيما توجه وزير الخارجية الإسبانية إلى مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسيل، في محاولة لحشد الكتلة إلى جانب مدريد.
و في هذا الإطار قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي : ” جوزيب بوريل ” و نائب رئيس المفوضية الأوروبية ” فالديس دومبر فيسكيس” في بيان مشترك : “الاتحاد الأوروبي مستعد للوقوف ضد أي نوع من الإجراءات القسرية، المطبقة ضد دولة عضو في الاتحاد الاوروبي” ليستطرد البيان : ” و مع ذلك يواصل الاتحاد الأوروبي تفضيل الحوار أولا لحل الخلافات”.
في خضم هذا الوضع المأزوم، هل ستفلح الجزائر في الضغط على إسبانيا بهدف تركيعها، أم أنها ستفتح على نفسها جبهات لا تدري مبتدأها من منتهاها؟
أضف تعليقك