
عقوبات ترامب على الجنائية الدولية تخلق جدلا دوليا
إفادة
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، وقع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، متهمًا إياها بتنفيذ “أعمال غير مشروعة” تستهدف الولايات المتحدة وحليفها إسرائيل. جاء القرار بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وقائد الجناح العسكري لحركة حماس، محمد الضيف، في إطار تحقيقاتها حول جرائم الحرب التي وقعت خلال الصراع في غزة عام 2023.
يقضي الأمر التنفيذي بمنع دخول مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية إلى الولايات المتحدة، وتجميد أصولهم داخل البلاد، في خطوة تعكس موقف واشنطن المتشدد تجاه المحكمة. وجاء توقيع القرار أثناء زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، ما يشير إلى الدعم المطلق الذي تقدمه الإدارة الأمريكية لإسرائيل في مواجهة أي مساءلة قانونية دولية.
برر البيت الأبيض العقوبات بأن المحكمة الجنائية الدولية تحاول فرض قيود على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، متهمًا إياها بغض الطرف عن انتهاكات دول أخرى، مثل إيران والجماعات المسلحة المناهضة لإسرائيل. ورغم أن الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا أعضاءً في المحكمة، إلا أن الأخيرة تسعى إلى التحقيق في قضايا تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما أثار اعتراض واشنطن وتل أبيب على مدى سنوات.
لم تكن هذه العقوبات الأولى من نوعها، حيث سبق أن فرض ترامب إجراءات مماثلة خلال ولايته الأولى ضد مسؤولي المحكمة الذين كانوا يحققون في جرائم حرب ارتكبتها القوات الأمريكية في أفغانستان، قبل أن تلغي إدارة جو بايدن تلك العقوبات. ومع ذلك، لم تتدخل الإدارة الأمريكية الحالية لمنع تمرير العقوبات الجديدة عبر مجلس النواب، رغم تعثر المشروع في مجلس الشيوخ.
إعلان العقوبات قوبل بانتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات القانونية الدولية، التي اعتبرت الخطوة محاولة لعرقلة العدالة وتقويض دور المحكمة الجنائية الدولية في محاسبة مرتكبي جرائم الحرب. وأكد مسؤولون في الاتحاد الأوروبي دعمهم لاستقلالية المحكمة، مشددين على ضرورة عدم التدخل في عملها.
في سياق متصل، أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت جدلًا بتصريحاته التي رفض فيها خطة ترامب حول “سيطرة الولايات المتحدة على غزة”، مؤكدًا أن إسرائيل ليست صاحبة القرار في مصير القطاع. وأوضح أولمرت في مقابلة مع “بي بي سي” أن غزة ليست ملكًا لإسرائيل لتمنحها لأي طرف آخر، مشددًا على ضرورة انسحاب إسرائيل بعد استعادة جميع الرهائن.
جاءت هذه التصريحات بعد إعلان ترامب خلال مؤتمر صحفي مع نتنياهو عن خطة تهدف إلى “توطين الفلسطينيين في أماكن آمنة” وتحويل غزة إلى “ريفيرا الشرق الأوسط”، في إشارة إلى جعلها منطقة سياحية حديثة. وأكد ترامب في منشور على منصته “تروث سوشيال” أن الفلسطينيين سيتم نقلهم إلى مجتمعات جديدة حديثة، دون توضيح ما إذا كان بإمكانهم العودة إلى القطاع بعد إعادة إعماره.
هذه التصريحات أثارت تساؤلات حول مستقبل سكان غزة، خاصة وأن ترامب لم يوضح مصير الفلسطينيين بعد عمليات النزوح المؤقتة. من جهتها، أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفات، أن أي نزوح سيكون “مؤقتًا”، بينما قال وزير الخارجية ماركو روبيو إن الفلسطينيين سيغادرون لفترة محدودة لحين الانتهاء من عمليات الإعمار.
وسط هذه التطورات، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن ماركو روبيو سيقوم بجولة في الشرق الأوسط، تشمل إسرائيل، الإمارات، قطر، والسعودية، بين 13 و18 فبراير، حيث من المتوقع أن تركز زيارته على مستقبل غزة وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى مناقشة العقوبات الجديدة المفروضة على المحكمة الجنائية الدولية.
قرار ترامب بفرض العقوبات على المحكمة، إلى جانب خطته المثيرة للجدل بشأن غزة، يزيد من تعقيد الوضع في المنطقة، خاصة في ظل تصاعد الانتقادات الدولية لسياسات واشنطن تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبينما تحاول إسرائيل تفادي المساءلة القانونية، يبقى المجتمع الدولي في انتظار كيفية تعامل الإدارة الأمريكية مع هذه القضية الشائكة.
يبقى مستقبل غزة غير واضح، حيث تتعامل الإدارة الأمريكية مع الأزمة من منظور اقتصادي وتنموي، متجاهلة البعد السياسي والحقوقي للصراع، في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية على إسرائيل بسبب الانتهاكات المستمرة في القطاع.
التعاليق