
سؤال الحياة
بقلم عبد الرحمان بلعياشي
أسئلة كثيرة تزدحم في ذاكرته، تتسارع وتتكاثر وتزداد عددا وصعوبة وتعقيدا. الأسئلة لا تفارقه أبدا، بل هو من يختلقها ويفتعلها؛ وكلما أحس أن باله مرتاح منها، كان دائما يجد سبيلا لكي تعود وتستولي عليه وعلى تفكيره ومخيلته.
كان يخيل له أن الأسئلة تنعش الذاكرة أحيانا؛ وأحيانا أخرى، تنقذها من متاهات التفكير وتشرده، ما يجعله يميل إلى أمور قد لا تروق له أو لا تدخل ضمن اهتماماته وأولوياته. يخال له أن الإنشغال بها يشق الطريق لفهم واستيعاب ما لم يتضح له من أمور حياتية أو معرفية كثيرة ويعبد له السبيل فلا يضل ولا يزيغ عنه، بل ويهتدي به من أجل استجلائه. فكان بذلك لاينزعج من طرحها وصياغتها حسب سياقاتها والأهداف المتوخاة منها.
في الكثير من الأحيان تكون هذه التساؤلات على صلة وطيدة بما يستحود وقتها على تفكيره؛ وفي أحايين أخرى، قد يكون السؤال ظرفي ومرتبط بأمور حياتية وروتينية. لم يكن يهتم كثيرا بالإجابة عنه ولا بالبحث عما يساعد على ذلك؛ ذلك لأنه على اقتناع أن ما يتصل بهذه التساؤلات من أمور آنية ترتبط بالحياة اليومية تجد لها أجوبة بشكل تلقائي، إن لم تكن لاتحتاج في الأصل إلى جواب محدد؛ حيث يكون حلها بما يقع أو يستجد بفعل سيرورة الحياة. أما تلك المتعلقة بالحياة والوجود والمعرفة والفكر والرأي، فهي تندرج في مستوى آخر، مختلف؛ ولا يمكن حلها أو الإجابة عنها بكلمة أو بجملة، بل إنها تتطلب التريث والتبصر والحكمة والتقصي؛ خاصة المتعلقة منها بما قد يحقق أو يبلور خطا تفكيريا يكون وراء صياغة موقف حياتي تكون له نتائج وانعكاسات على سلوك أو تصرف يمس علاقته بالفرد أو الجماعة التي تحيط به وتحتضنه؛ أو ببساطة، نظرته وإحساسه بما يجب أن تصير وتسير عليه بعض الأمور، وفق طرح أو منهجية أو نظرية أو توهج أو رؤيه معينة.
سؤال الحياة. هو سؤال الوجود وسبب الوجود. مند نعومة أظافره، حيث لا يعلم تحديدا متى أصبحت أظافره ناعمة، كان رأسه لا يتوقف عن طرحه أو على الأقل التفكير فيه أو الإنشغال به. لم يكن من السهل تحمله وحمله، لأنه لا يملك في تلك السن من الأدوات المعرفية والحياتية ما يجعله يعي ويستوعب جسامة الوضع وضخامة الموقف.
سؤال الحياة يستمر حتى بعد أن نعمت ونضجت وهرمت الأظافر، وأعطت إشارات عن تعاقب الزمن والوقت، والإقتراب من النهاية، نهاية المشوار والسير، الذي لا يرحم ولا يعطي فرصة أخرى أو فرصة أخيرة. سؤال الحياة الذي يهرب أو يتهرب منه الكثيرون، سيستمر فينا وسيتعقب وجودنا دون ملل أو كلل؛ وسيظل المحرك الرئيس، بوعي أو بغير وعي، لحركاتنا وسكناتنا، ولتفاصيل الحياة وجزئياتها. وسيظل السند الرئيسي أيضا في أوقات نحس فيها بالضياع والتشرد، فيفتح الأفق وينير الدرب، ربما بضوء الشك والتردد؛ لكنه ضوء في كل الحالات سنراه أوسنحس به أمامنا بعيدا، فنتعقبه ونسير إليه ونحوه، علّنا نسترشد به فنخرج من اللحظة، اللحظة العصيبة؛ علّنا ندرك الخلاص. هكذا هو. لا يفارقنا. يؤرقنا. يعذبنا. ينقذنا. إنه سؤال الحياة.
التعاليق (2)