موسيقار عربي غير عادي من زمن عادي.. أنغامه تحرك الشجون والتاريخ، لا شرقية ولا غربية بل بحرينية تكاد أنغامها تسحر الحاضرين، درس الموسيقى بمعهد الكونسرفتوار بالقاهرة، وابتعد عن الموسيقى خمسة عشر عامًا ثم عاد إلينا بمقطوعة العودة ليطربنا في الدورة السابعة والعشرين من مهرجان الموسيقى العربية وكان هذا الحوار مع الموسيقار وحيد الخان.
– أستاذ وحيد، الحوار مع موسيقار أمر صعب ربما لأن لغة الموسيقى صعبة على شخص عادي لايفهم الموسيقى ولكن لو سألت حضرتك كيف يمكن أن تفسر الموسيقى للجمهور العادي؟ وما هي الموسيقى بالنسبة للموسيقار وحيد الخان؟
– الخان: بالنسبة لي أنا الموسيقي هي معظم حياتي، الموسيقى لغة عالمية، وهي نوع من الفنون، تعتبر وسيلة لإيصال أحاسيس معينه، فالموسيقي يستخدم الموسيقى لإيصال أحاسيس وثمة رسائل وأفكار، والموسيقي في تقديري هي أجمل الوسائل وأجمل أنواع الفنون.
– متى بدأ شغف الخان بالموسيقى؟
– شغفي بالموسيقى بدأ منذ الطفولة، أنا من أسرة فنية في البحرين، جدي وجدتي كانا فنانين، كان جدي شاعراً، وكانت جدتي تعزف على آلة تشبه البيانو، وكنت وأنا طفل “عاوز أتجوزها” .. نضحك ثم يستكمل.. كان جدي يقرأ الشعر وهي تعزف على تلك الآلة، ثم فقد جدي البصر، وكان شيخ دين، وكان يقرأ القرآن على المرضى، حيث كان الناس يتباركون بقراءته، إذ لم يكن لدى الناس عُقد تجاه الموسيقى، ثم بدأ أخوالي وهم أبناء جدي وجدتي يعزفون الموسيقى، وتعلمت على يد أصغرهم وكانت أعمارنا متقاربة، تعلمت منه العزف على الأكورديون، ثم في المدرسة استكملت التعلم في الموسيقى، حيث كانت وزارة التربية والتعليم تهتم بالموسيقى أكثر من الآن، كان ذلك قبل أن يؤثر المد المتشدد سلبياً على هذا الإتجاه، في الجامعة كان علي أن أختار بين دراسة هندسة البترول أو الموسيقي فاخترت أنا أن أدرس الموسيقى، و التحقت بمعهد الكونسيرفتوار عام 1974.
– إذا تحدثنا عن الفرق بين الموسيقى الشرقية والغربية، أين يأخذنا الفرق بينهما إذا تحدثنا بنفس المنطق اللغوي؟
– في تقديري الموسيقى هي هي، شرقية، غربية، هندية صينية، هي نفس اللغة العالمية، إنما هناك لهجات مختلفة، قد تكون صعبة على الإنسان الذي لم يألفها، لكن “لو عاشرت القوم أربعين يوم” ستجدها سهلة، حتى الصيني والياباني والسوداني، هي هي نفس اللغة.
– كيف كان إحساسك أثناء مجيئك لمصر المنتصرة بعد حرب 1973؟ .. كيف كانت مصر آنذاك؟
– التعبئة كانت قوية والروح كانت عالية، كل شيئ في مصر كان ملفتاً، أذكر أنني حين ذهبت لمعهد الكونسيرفتوار، كان القائمون عليه قمماً كبيرة ، كانت الأستاذة سمحة الخولي هي مربيتى و المشرفة على تدريبي، وكنت أرغب في أن أتعلم آلة الكمان، لكن التحاقي بالمعهد بعد الثانوية العامة لم يؤهلنى لذلك، حيث أن تعلم آلة الكمان كان يجب أن يبدا من سن مبكر، خيروني حينها بين عدد من الآلات فاخترت أن أدرس آلة “الأوبوا” ، وقتها كنت محظوظاً أن ألتحق بالكونسيرفتوار لكن في نفس الوقت كنت سيئ الحظ، إذ وقعت بين مجموعة “نارية” هي أقوى وأصعب مجموعة وردت علي تاريخ الكونسرفتوار، كان من هذه المجموعة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة المصرية الحالية، يحي الموجي، بسمة عبد الرحيم … معظمهم صاروا أوربيين بفضل الأساتذة الكبار وعلى رأسهم الدكتورة سمحة الخولي، أذكر منهم أيضاً جيهان مرسي رئيسة مهرجان الموسيقى العربية الحالي، وأنا الآن حين أسير بين أروقة المهرجان ألتقي بزملائي الذين درست معه في شبابي. وأتذكر كيف كانت المنافسة قوية، كان هناك تعاون بين جمهورية مصر العربية والإتحاد السوفيتي في الكونسير فتوار، وكان الإتحاد السوفييتى يرسل أفضل الموسيقيين، وكان مدرسنا فنان روسي كبير هو “سوكولوف” .. وكان أستاذ غير عادي.. المستوى كان مرتفعاً جداً، كنت أسير في اروقة الكونسير فتوار أجد طفلا عمره ثمان سنوات يعزف على الكمان كما “الجني”، فإذا دخلنا صالة الغناء سمعنا الفنان “حسن كامي” مغني الأوبرا المصري الشهير ، حيث كان “سوبرانو ” الأوبرا ومغنيها يتبادلون التحيات بالأصوات الأوبرالية المبهجة.. أحب أن أوضح أننا كنا نتدرب يومياً بعد انتهاء اليوم لمدة ثمان ساعات، والكثيرين ممن يدرسون الموسيقى يعتقدون أن دراسة الموسيقى سهلة لكن هذا غير صحيح على الإطلاق.. أحب أن أضيف معلومة هامة هنا، فرق كبير بين الكونسيرفتوار ومعهد الموسيقى العربية، الدراسة في عهد الموسيقى العربية أسهل والدارسين جميعاً يجتازون الإمتحانات لكن الكونسيرفتوار شاق جداً، لا يجتاز اختباراته إلا المتميزون، وطلبة مجلس التعاون الخليجي في الكونسيرفتوار فقط من البحرين وليس من أي من الدول الأخرى بالمجلس، والحقيقة أن البحرينيين يبحثون دائماً عن الأصعب.
– هل يتوقع الخان أن يصبح وزيراً للثقافة في البحرين يوماً ما بما أنك كنت زميلاً لوزيرة الثقافة المصرية؟
– لا أعتقد، أنا أحاول أن أنأى عن السياسة، لكن أود أن أقول أنني أقول لزملائي أن مصر الآن تعيش حالة عرس أن وزير الثقافة موسيقى، والأجمل من ذلك أن وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة إيناس عبد الدايم أخبرتني أن الرئيس هو من اختارها بنفسه، وقالت لي أن هذه أول مرة أن رئيس مصري يولي هذا الاهتمام للتعليم والثقافة والصحة.
– ما رأيك في موسيقى الأندر جراوند التي انتشرت في مصر وربما الوطن العربي حالياً وما رأيك ايضاً في موسيقى الراب؟
– بحكم تجربتي أنا لا أخشى على الموسيقى العربية من أي شيئ، كنا نفكر أن الجيل الجديد لا يحب الموسيقى العربية القديمة، بالأمس كنا في حفلة وكان هناك عزف غربي، بمجرد ان انتقل العازفون إلى الموسيقى الشرقية رأيت تفاعلاً شديداً مع النغمات الشرقية بين الشباب، الشباب بعد النضج يعود دائماً إلى احساسه الأصلي الذي نشا عليه وهو تذوق الموسيقى الشرقية، نحن في الكونسير فتوار ندرس الموسيقى الغربية، لكننا حين نسمع موسيقى شرقية تجدنا ننفعل معها كثيراً، كان عندي فرقة غربية هنا في مصر، المفارقة الغريبة أن أتجه في الآخر إلي تخصص علم إسمه “علم موسيقى الشعوب” وأتخصص في التراث يعود الشخص إلي ما نشأ عليه في البداية. أعود إلي نقطة الأندرجراوند، هذه ظاهرة جيدة جداً، موسيقى في مشرح شعبي بلا تعقيدات يستمتع بها الجميع، من الأندرجراوند في العالم ظهر فنانون كبار جداً، لأنه يلفت نظر الناس له إذا كان مبدع، هذه الظاهرة بشكل عام هي ظاهرة حضارية وإيجابية وأدعو المسئولين عن الثقافة في مصر والعالم العربي إلي رعايتها وتشجيعها وبالحفلات العامة التي يطلقها الشباب في الشوارع، أما موسيقى الراب ففي عقيدتي هي ليست بموسيقى، هي تعبير معين ليس فيه إبداع لأنها نغمة واحدة، وتقتصر أكثر على التلاعب بالكلمات ولا تناسبنا ولا تطربنا.
– ما هو السن المناسب لتعلم الموسيقى والعزف؟
– الفن ليس له سن، لكن الإتقان يتطلب السن الصغير، كان لدي معهد أنشأته بالبحرين لتعليم الهواة، وكان عندنا طلبة من كافة المراحل العمرية، وكانوا يتعلمون على كبر سنهم، الهواية للجميع لكن الاحتراف يتطلب دراسة من سن صغير، لكن هناك ملحوظة، من تعلم الموسيقى في صغره أصبح متميزاً جداً في عمله، أعطيك مثلاً، بوتين كان موسيقياً، كلينتون كان موسيقى، كوندوليزا رايس، ونصف اعضاؤء البرلمان البريطاني موسيقيين ايضاً.. الإمام الغزالي له مقولة هي “كل كريم طروب”.
– احكي لنا عن مشروعك العودة.. عادة يطلب من الموسيقار أن يكتب موسيقى لقصة ما وليس العكس وهو ما فعلته أنت كيف؟
..الحقيقة أننى كنت ناشطاً جداً في فترة الثمانينيات في الموسيقى في البحرين، لكنني مبتعد أساساً من حيث المبدأ عن تلحين الأغاني، لسبب بسيط هو أن ملحنين الأغاني كثيرين ومتميزين، أيضاً تلحين الأغاني لا يستدعي تخصص، إنما التأليف الموسيقي هو الذي يستدعي التخصص وليس بالسهل، فتوجهت إلي تأليف موسيقى تصويرية للتليفزيون للمسلسلات للبرامج، ثم توقفت سنوات طويلة حيث توجهت إلى إمارة دبي واحترفت الأعمال هناك، ثم قررت فجأة أن أعود إلى الموسيقى، رجعني في 2010 في البحرين وزير الداخلية، كان يشرف على مشروع وثائقي مهم للدولة، واكتشفت أن هذا الوزير كان متذوقاً متميزاً للموسيقى، الشخص الثاني الذي أثر في بشكل مباشر هو الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة المصرية حين كانت رئيسة للأوبرا المصرية، كانت دائماً تحثني على العودة للموسيقى، ففكرت في أن تكون العودة لها شكل مختلف فقدمت هذا المشروع الموسيقى وأسميته العودة، وحاولت أن اقدم فكرة جديدة واسلوب مختلف، فقدمت أعمال اوركسترالية، موسيقى العالم ويقصد بها الموسيقى التى تسمع من كل الناس، اخترت هذا النوع لكن روح الموسيقى التى اخترتها “بحرينية”، فالمشروع هدفه إيصال البحرين إلى العالم، أن يرى العالم البحرين وبدأت من الخارج، للأسف عندنا الأجهزة المسئولة دائماً تستورد، ولذلك بدات مكن الغرور، أردت حينها جمهوراً لا يعرفنى ووقفت أمام الجمهور المجري وكان رد الفعل عظيماً، ونجح الرهان، فالموسيقى تصل إن كانت جميلة، اما عن نوع التأليف فالكتابة للأوركسترا والفيلهارمونى شيئ مضني، فيه تفاصيل كثيرة وجهد كبير، هناك موسيقيين يكتبون توليفات بأجزاء غربية ثم شرقية في نفس المقطوعة، أما أنا فلم أفعل ذلك، مزجت كل شئ سوياً.
– التشدد الحاصل في المنطقة العربية كبير وفيه رفض كبير للموسيقى ما رأيك في هذا الكلام؟
– أظن أن حقبة التشدد هذه إلى زوال لأن الناس وعيها زاد، كثير من الناس اتخذوا من الدين “سلعه” ، فإساءة استخدام الدين مثل إساءة استخدام الناس لفكر معين، حتي الفكر الماركسي في أصله جيد لكن من استخدموه أساؤا إليه، الكل يتاجر من أجل مصلحة شخصية، وأعتقد أن هذا الكلام انكشف، الشيخ الغزالي حين سُئل عن الغناء قال “الغناء كالكلام قبيحه قبيح وحسنه حسن” ، من قال أن الموسيقى حرام؟! هذا الأمر حقيقة يتعلق بالعادات والتقاليد والتاريخ، فمعروف من تاريخ الموسيقى في الجزيرة العربية أنها كانت تستخدم في الحانات مع تقديم الخمور والرقص، وربما من هنا جاء الرفض لدى العرب بعد ظهور الإسلام، في البحرين كان هناك محاولات لإنشاء معهد للموسيقى في السبعينيات وجاءت الدولة البحرينية بمغني أوبرا ومدرس أزهري، وكان دائماً يقول من الذي يقول أن الموسيقى حرام..
– صورة المايسترو عند الناس هو ذلك الموسيقى الذي يحرك العازفين.. فمن هو المايسترو؟
– قبل المايسترو هناك المؤلف، كلمة مايسترو تطلق على المؤلف الموسيقي وأيضاً تطلق على القائد الذي يحرك العازفين، أنا مؤلف موسيقي ولست قائد أوركسترا متخصص لكنني أقود أعمالي، فالكتابة للأوركسترا إدارة لعملية غاية في التعقيد ومليئة بالتفاصيل.
– الرسالة التي تود توجيهها لمصر في الوقت الحالي؟
– أنا سعيد جداً بمشاركتي في مهرجان الموسيقى العربية في مصر، وهو يكاد يكون التظاهرة الثقافية الوحيدة التي تعقد بهذا الحجم في الوطن العربي، بعد حالات التردي التى وصلت إليها العراق وسوريا وليبيا ويكاد يكون لا يوجد شيء في الساحة، وأتمنى أن يستمر هذا المهرجان وأمثال هذا المهرجان، ثانياً أنا سعيد جداً أن أشارك في مكاني الطبيعي هنا، عودتي لمصر، والرسالة هي أن تواصل مصر فالموسيقى هي القوة الناعمة، هي السد المنيع لأي محاولات للإختراق، فالفنون والثقافة مهمة جداً، العالم العربي كله مستهدف، وهناك محاولات خارجية لإيجاد المشاكل بين الشعوب والطوائف، يحدث ذلك في البحرين، وفي الدول العربية وفي كل مكان، ونحن الفنانون علينا دور مهم هو لم الشمل.
Warning: Undefined variable $postData in /home/ifada/public_html/wp-content/themes/NewsPaperOne-Light/template-parts/content/content-single.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on null in /home/ifada/public_html/wp-content/themes/NewsPaperOne-Light/template-parts/content/content-single.php on line 55
Warning: Attempt to read property "ID" on null in /home/ifada/public_html/wp-content/themes/NewsPaperOne-Light/template-parts/content/content-single.php on line 55
أضف تعليقك