
حملات خيرية افتراضية واداعاءات بالمرض طرق لكسب المال والشهرة
مواقع التواصل الاجتماعي الوسيلة المفضلة للكثيرين من اجل التواصل واستعراض الذات والمواهب ومعرفة الاخبار، لدرجة اصبحت منصة للشركات والمواقع الإخبارية والجرائد العامة والمصالح الحكومية لتقديم نفسها للعامة والتواصل معهم، واصبح معظمنا يستهلك اغلب وقته فيها، فمنا من يجيد استغلالها ومنا من يسيء ذلك, كل حسب اهدافه واغراضه الذاتية, مما يدفعنا لطرح سؤال جوهري حول مدى ايجابية هاته الاستعمالات ومدى سلبيتها؟
الادعاء والكذب وسيلتان لربح الاموال
بيل جيبسون مدونة استرالية ادعت شفاءها من مرض سرطان المخ من خلال الوصفات الطبية البديلة, مما جعلها في وقت وجيز ضمن اشهر شخصيات عالم الشوسيال ميديا من طرف متتبعيها, خاصة ممن صدقوا انها قادرة على شفائهم من الامراض, وتتحول بعدها الى وجه مطلوب في اشهر البرامج التلفزية بل اصدرت كتب في مجال الطب البديل لاقت رواجا حقق لها مداخيل مهمة, ولم تكتفي بذلك اذ تحولت الى تنظيم حملات تبرع خيرية لتكتشف السلطات الفيديرالية انها تقود حملة نصب كبيرة من خلال وسائط التواصل الاجتماعي, وتغلق السلطات شركتها وتغرمها 410 الف دولار كتعويض يذهب الى الجمعيات الخيرية.
ظاهرة الاحتيال للافتراضي في الوطن العربي
يعرف العالم العربي انتشار ظاهرة طلبات المساعدة والتبرعات على شبكات التواصل الاجتماعي من فايسبوك ويوتيوب وتويتر وغيره..
ففي عام 2015 نعت المواقع الإخبارية انتحار عازفة الناي «ندى سلامة»، وتداول النشطاء على موقع التواصل فيسبوك كلماتها الأخيرة واصفين وفاتها بأنها موتًا للحُلم، وبأن عازفة الناي والتي كانت بهجةً للشوارع يجب أن تظل سيرتها باقية؛ فاتفق الكثيرون على عمل صدقة جارية على روحها، كل هذا قبل أن يفاجأ الجميع وعلى رأسهم صديقها الأقرب وقتها الفنان «علي قنديل» بأن حادثة الانتحار أو الوفاة، وتفاصيل الدفن بكفر الشيخ وكل هذه الضجة ما هي سوى لُعبة أتقنتها تلك الفتاة للتهرب من سداد ديونها.
ويفاجأ الجميع بمنشور جديد منها تدعي فيها أنها بالفعل حاولت الانتحار خمس مرات حتى الآن، معللة ما أشيع من أختها حول وفاتها بأنه ما هو سوى وسيلة لحمايتها ممن يلاحقونها، ليتصاعد الأمر فيما بعد وتبدأ الاتهامات تحاصرها بالاحتيال على مجموعة من الأصدقاء في مبالغ تتعدى 70 ألف جنيه مصري بدعوى أنها مريضة بالقلب.
اما في السعودية فقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حالة من التعاطف مع الطفلة «سارة إبراهيم» التي شاع أنها مريضة بسرطان الدم، لينتشر هاشتاج باسم «#أصدقاء_سارة» شارك فيه الوزراء والفنانون والشعراء، حتى إن البعض قاموا بحلق رؤوسهم مساندةً لها، فضلًا عن قيام البعض الآخر بعمل عمرة بنية شفائها، ليستيقظ الجميع بعد بضعة أشهر على اكتشاف أن الصور في الأصل لمريضة سرطان أمريكية تدعى «Esme» وأنه لا وجود لسارة، والأمر برمته هو عملية احتيال متقنة، وهو ما كشف عنه أحد النُشطاء السعوديين على تويتر.
وفي وقت لاحق شهدت مواقع التواصل الاجتماعي خاصة المصرية منها عملية احتيالٍ أخرى بطلتها «رضوى جلال» أرملة الداعية أحمد الجبلي والذي اشتهر عقب موته، حيث ردد البعض أنه الشاب الذي توقع وفاته حيث قام بتصوير نفسه وزوجته أمام المقابر كاتبًا فوقها «قبرنا» وتوفي بعدها بعدة أشهر.
كانت تلك الصورة هي السبب وراء شهرة أحمد الجبلي وزوجته من بعد وفاته، حيث استعملت ذكرياتها مع زوجها في محاولة منها لاستقطاب المتابعين لصفحتها، والذين حاولوا مواساتها فحصدت آلاف المتابعين والمُصدقين لها، وحين أعلنت عن رغبتها في عمل مشروع لملابس المحجبات، نجحت في جمع أكثر من مليوني جنيه مصري.
وطبقًا لروايات بعض الضحايا فإن رضوى جلال قد وعدته بفائدة سنوية نسبتها 25% هذا بالإضافة إلى راتب شهري قدره بضعة آلاف؛ بعد شهور قليلة من جمع الأموال اختفت رضوى هاربة خارج البلاد مع تركة ضخمة من شيكات مستحقة الدفع لضحاياها وهو الأمر الذي أجبرهم على عمل محضر بالواقعة، ليتحول الأمر بعدها لقضية نصب واحتيال من خلال مواقع التواصل الاجتماعي تعد هي الأكبر حتى الآن، حيث قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة الفتاة الهاربة بالسجن عشر سنوات غيابيًا، ودفع غرامة قدرها 500 ألف جنيهًا مصريًا هذا بالإضافة إلى رد مبلغ قدره مليونين و83 ألف جنيه للأشخاص الواردة أسماؤهم بالقضية.
هناك حالة اخرى تخبرنا بها قصة ميار العسال الفتاة اللبنانية من أصل مصري ذات الثراء الفاحش والتي تعيش حياة مرفهة إلى أن يموت زوجها فتنقلب حياتها رأسًا على عقب حيث ترتدي الحجاب، وتجمع آلاف المتابعين من المناصرين للدين، كان بعضهم من مشاهير التيارات الإسلامية.
ولكن المميز في قصة ميار لم يكن ارتداؤها للحجاب وتركها لحياة الترف فقط، بل كان مجادلتها مع عائلتها، والذين كانت تغلب على نقاشاتهم معها ميول إلحادية، وهو الأمر الذي جعل مناقشتهم بالحجة والبرهان غاية في الذكاء، مما جمع حولها آلاف المتابعين الذين ينتظرون منها أن تتغلب على أقاربها، حتى ترجح كفة الدين على دعاوى الإلحاد.
كل هذا قبل أن يتم اكتشاف زيف حساب ميار العسال وأقاربها، وأن كل هذه المجادلات ما هي سوى محض خيال شخصية واحدة مجهولة. تم غلق الحساب الشخصي لها مع كل حسابات العائلة عقب اكتشاف أحد متابعيها لأن صورها الشخصية هي في الحقيقة لفتاة لبنانية شيعية تدعى «نور شمس الدين».
فلماذا كل هذا الاختلاق والكذب ؟
الشائع أن ندعي إصابتنا بالأنفلونزا لجلب الجيمات والتعليقات المهتمة بالشخص، فلماذا يدعي أحدهم مرضًا خطيرًا كهذا؟ حسب الموقع الطبي Webmd فإن ادعاء المرض هو إحدى الأعراض النفسية لـ«متلازمة مانشهاوزن» وهي أن يدعي البعض المرض حتى إن اضطرهم هذا الادعاء لأن يقوموا باختباراتٍ طبية خطيرة وقد يصل الأمر لإجراء جراحات طبية فقط من أجل أن يحصدوا تعاطف من حولهم، ولكن هؤلاء المرضى النفسيين لا يسعون في الحقيقة للمال أو لجمع التبرعات، فكل ما يريدونه هو الاهتمام.
تحكي عن ذلك جوني جونستون في مقالٍِ لها على موقع Psychology Today وهي طبيبة نفسية شرعية ساعدت في التحقيق مع العديد من الحالات الجنائية والمدنية منذ عام 1991، أنها فوجئت من خلال بحثها عن الأشخاص الذين يدعون السرطان على وجه التحديد أن هناك أكثر من 200 حالة قد وجدتهم فقط من خلال استخدام محرك البحث جوجل، وأن العدد الحقيقي يتخطى هذا الرقم الضئيل بمراحل إن قمنا بتوسيع البحث.
وأكدت جونستون أن أغلب محتالي السرطان بغرض المال غالبًا ما تكون لهم تجارب احتيالية سابقة، ولكن قد يكون للبعض الآخر دوافع ثانوية منها التهرب من بعض المسؤوليات، وأن بعضًا منهم قد يكون قد عانى بالفعل في الماضي من السرطان أو مرض آخر أقل خطورة، وأعجبته لُعبة التعاطف وكونه محور اهتمام الآخرين.
هويات مزيفة لخلق الشهرة ولعيش تجربة حياة اخرى
في الحقيقة لم تكن أغلب الحالات السابقة كلها تسعى خلف المال، فبعضهم كان يسعى خلف الشهرة فقط، والتي أصبحت سهلة بضغطة زر من خلال الإنترنت، مما سهل على البعض اختلاق حياة بأكملها فقط من أجل حصد الُمعجبين وبإدارة محرك البحث جوجل على كيف تصبح شهيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي ستمتلئ صفحة البحث بعشرات النتائج، والتي تهدف كلها للشهرة السريعة، وتدل أيضًا على كثرة الراغبين فيها.
تقول عن ذلك دكتور «نانسي آن شيفر» وهي متخصصة في علم النفس الإعلامي وأستاذ في جامعة «سو دومينغويز هيلز» أن العديد من مرتكبي الخدع على مواقع التواصل الاجتماعي يفعلون ذلك لأنهم يفتقدون لشيء ما في حياتهم الحقيقية، وقد يكون لدى البعض سوء تقدير للذات، ولذلك فإنهم يسعون لعيش ما يرغبون به من خلال شخصٍ آخر.
تشير شيفر إلى أن البعض ممن يخلقون لأنفسهم هويات مختلفة ويختارون هوية لشخصٍ من الجنس المعاكس، يكون ذلك فقط لتجربة ما ستكون عليه حياتهم لو كانوا الآخر، أو أن لديهم ميولًا جنسية غير اعتيادية يخشون من التعبير عنها بشخصياتهم الحقيقية.
التبرع الخيري عبر مواقع التواصل الاجتماعي “حق اريد به باطل”
إن أدرت محرك البحث جوجل متسائلًا عن كيفية جعل المتبرع يثق بك، وكيف تقوم بزيادة دخل التبرعات أو كيف تجمع تبرعات مستخدمًا مواقع التواصل الاجتماعي؛ فستفاجأ وكأنها عملية مُحكمة للتمكن من رصيدك في البنوك، وهو ما يشدد عليه المكتب الوطني الاستخباراتي التابع للمملكة المتحدة (NFIB) حيث لوحظ نشوء مؤسسات أو أفراد تستخدم منصات التواصل الاجتماعي لجذب أفراد الجمهور للتبرع للحيوانات في مؤسسات خيرية موجودة خارج البلاد اكتُشف فيما بعد أنه لا وجود لها، وهو ما صرح به مكتب NFIB من أن هناك جماعات إجرامية تستهدف المُتبرعين وتنصب لهم الفخاخ من خلال شبكات اجتماعية تتوسع مع مرور الوقت، هدفها هو كسب ثقة المانحين.
نصح مكتب NFIB المواطنين البريطانيين بعدم الثقة في أي مؤسسة أو قضية مثيرة للاهتمام تتطلب تقديم العون المادي دون التأكد بشكلٍ لا مجال فيه للشك من أن النقود تصل إلى المكان الصحيح، مُشيرًا إلى أن أغلب طالبي التبرعات سواء مؤسسات أو أفراد يجيدون نصب شباكهم حول الضحايا، حيث تبدو صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي كما لو كانوا جمعيات خيرية حقيقة، ولكن الحقيقة المؤسفة هي أن أغلبهم ليسوا من يدعون على الحقيقة، ولذلك كانت النصيحة الأخيرة بأن يقوموا بزيارة المؤسسة الخيرية بأنفسهم قبل إتمام التبرع.
التعاليق