الخميس 24 ديسمبر 08:12
8822
ثمة حقائق تاريخية يرغب البعض في تجاوزها والغض من قيمتها وهو يدعي أن هذا البلد كان نكرة مدمجة مع المغرب الكبير دون تميز يذكر له. والحقيقة أن بلد المغرب تاريخا كان مفهوم الدولة كائنا فيه، ولم يكن إمارة تابعة للسلطة المركزية حينها سواء كانت عباسية أو عثمانية. والاستعمار الفرنسي تعامل مع البلد بهذا الاعتبار، وهو وجود دولة قائمة بذاتها، ولم تكن بلدا سائبا من أي تنظيم سياسي جامع.
لن ندخل في خصائص النظم المتعاقبة على هذا البلد، ولكن الذي يهمني هو ماهية وجود كيان سياسي جمع القبائل تحت تسييره السياسي، وهو الدولة المستقلة القائمة بذاتها مع سلطة مركزية.
ففي السطوة العثمانية مثلا على المشرق والمناطق المغاربية إلى حدود تلمسان في وقت مضى، لم تخضع السلطة المغربية السعدية للسلطان العثماني، لاسيما حين اندلعت الاضطرابات في الولايات المغاربية التابعة للباب العالي بموت الباي (لرباي).
ويحكي (ملين محمد نبيل) كيف أنه حين حلّت بمراكش سفارة جديدة في أوائل عام 1557م، كانت المقترحات العثمانية واضحة: وهي سلام شامل ودائم مقابل الاعتراف بالتبعية الإسمية للسلطان العثماني، وهو ما يعبر عن تطور ملحوظ في موقف (سليمان القانوني) الذي كان بالأمس القريب يُلقب المهدي بشيخ العرب، أي مجرد زعيم قبلي لا أهمية له، لذلك لم يقبل السلطان الشريف العرض وشعر بالإهانة من هذا “التركي المملوك” وهو سليل النبي. وينسب له بعض الأخباريين هذا الجواب : “سلّم على أمير القوارب سلطانك، وقل له: إنّ سلطان المغرب لابدّ له أن ينازعك على عمل مصر، ويكون قتاله معك عليه إن شاء الله ويأتيك إلى مصر والسّلام.”
ثم إن المراسلات بين الباب العالي والمغرب قد أوضحت بيقين كيف أن تعامل العثمانيين مع المغرب كان تعاملا نديا دولة لدولة، ولم يكن تعامل بلد مستقطع تابع للسلطة التركية المركزية آنذاك.
ويؤكد ذلك ما حكاه واحد من العلماء الذين أرسلهم السلطان السعدي إلى الباب العالي في إطار عمل ديبلوماسي بين دولتين وهو (التمكروتي) صاحب النفحة المسكية، يقول هاهنا:” لما ورد علينا أمر الخليفة الإمام … دخلنا على السلطان نصره الله في قصره وسلمنا عليه … ثم أبرز محلته السعيدة المنصورة إلى ظاهر المدينة وخرج إليها، وأمرنا بالخروج إليها …وقد كنا لما وردنا على السلطان أيده الله وجدنا عنده رسل العثماني ملك بلاد الترك والروم صاحب القسطنطينية العظمى خاقان….”
ويؤكد التمكروتي في رحلته من تطوان إلى القسطنطينية وكيف رحب به السلطان العثماني أن هناك احتراما وتقديرا للدولة القائمة بالمغرب، بل إننا وجدنا اعتزازا من قبل هؤلاء العلماء بشرعية دولتهم بسبب النسب مقارنة مع الدولة العثمانية التركية.
وتشير الوثائق التاريخية كيف أن السلطة العثمانية حين تجاوزت حدها ودخلت الأراضي المغربية في شهر مارس 1558م تعددت المناوشات بين الطريفين إلى أن التقيا في معركة حاسمة في 2 أبريل بوادي اللّبن أحد روافد وادي ورغة، لينتصر الجيش المغربي انتصارا ساحقا لم ينج الباي لرباي حسن باشا قائد القوات العثمانية إلا بفضل سرعة جواده . ومنذ ذلك الحين لم تدخل القوات العثمانية إلى المغرب بنيّة معلنة في احتلاله.
وكذا مع الأطماع الأيبيرية البرتغالية، فالتاريخ يذكر كيف تم إسقاط حصن (سانتا كروز دي مار بيكينا) الواقع جنوب رأس نول تحت ضربات القوات المغربية سنة 1524م.
إن التاريخ يوضح أن هذا البلد كان مميزا مستقلا بذاته موجودا بسلطته ودولته وسيادته على أرضه، ولن يقبل بانتقاص ذرة من ترابه على بلده وإن طال الزمن واستطال، أو غفل أبناؤه عن تاريخ العزة والصمود الذي كان عند أجدادهم.
Warning: Undefined variable $postData in /home/ifada/public_html/wp-content/themes/NewsPaperOne-Light/template-parts/content/content-single.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on null in /home/ifada/public_html/wp-content/themes/NewsPaperOne-Light/template-parts/content/content-single.php on line 55
Warning: Attempt to read property "ID" on null in /home/ifada/public_html/wp-content/themes/NewsPaperOne-Light/template-parts/content/content-single.php on line 55
أضف تعليقك