
“تيك توك” والأنشطة المُدرة للذُل !!
لم نعُد نَخشى نشر ” التفاهة ” على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي طالما اتفقنا جميعا أو اغلبنا على أن لها أضراراً فكرية ونفسية، ولم تَعد تُشكل لدينا هماً بحجم ” سَفالة ” ما يُنشر اليوم على منصة ” تيك توك ” والخطر الذي يُدمر جيل المراهقين.
السَفالة هنا كما جاء في معجم المعاني، نقصد بها سفَلَ الشَّيءُ، أي انخفض، صار أسفَل، وتحديدا هو ما يحدثُ اليوم على المنصة المذكورة، التي انخفض بها منسوب ماء الوجه ووصل مُستعملوها إلى الحضيض، من خلال المحتوى الذي يقدمونه عليها.
“تيك توك” تحول في المغرب ودول أخرى إلى أشبه بساحة كبيرة يُعمرها متسولو” التّكبيس” والهدايا التي تُحَوّل إلى دولارات في حساباتهم البنكية، وتحولت أيضا إلى “كُشكات” افتراضية مُخصصة لتسويق المؤخرات كشكل جديد من الدعارة الافتراضية، وهناك من يُشبه المنصة بمستشفى كبير للأمراض النفسية والعقلية غير تابع لقطاع الصحة، يرى فيه البعض نفسه سمكةَ عائمة تُطل على الجمهور في ” لايفات ” من المرحاض وآخرون يرون أنفسهم مقلاة بيض واناء طهي، في مشاهد تتطلب تحليلا نفسيا معمقاً.
هذه الهجرة الافتراضية الملحوظة نحو” تيك توك ” تطرح أسئلة كثيرة، حول الخلل الحاصل في منظومة القيم ومنظومات أخرى تعليمية تربوية واجتماعية واقتصادية، كلها فشلت في تأطير وتكوين انسان يواكب التطور التكنولوجي بشكل سلبي، غير قادر على الابداع و الخلق البحث له عن بدائل ووسائل العيش الكريمة، حتى لا يضطر إلى مزاولة الانشطة المدرة ” للذل” عوض المدرة للدخل !
نجد أنفسنا أمام شبه غياب للمثل الأعلى ” idol” داخل المجتمع، كما في السابق حيث كانت الأسر تضعُ لأبنائها مثل أعلى ينتمي إلى العائلة أو الجيران، وتحفيزهم على امتهانهم مستقبلا بعض المهن المعروفة، كنوع من التحفيز.
أما اليوم تظهر لنا نماذج مُشوهة تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي كالفطر، تستثمر كثيرا في جسدها وشكلها الخارجي، فاقدة للهوية ولا تتوفر على مستوى تعليمي مطلوب، تساهم فقط في خلق رصيد افتراضي من التسلية والاثارة يؤثر على المستخدمين المراهقين حيث يُسبب لهم في العديد من الاضطرابات النفسية وخلل في سلوكياتهم الاجتماعية، يؤدي بتركيزهم على الشكل الخارجي دون اهتمام بالهوية والتعليم و يؤدي إلى تشويه للقيم والمثل الأعلى في المجتمع ، ويُسوق لهم نموذج يسعى إلى الربح المادي السريع، ويخلق لديهم الرغبة في الوصول إلى العديد من متطلبات الحياة و الكماليات، دون التدرج وقطع المراحل المألوفة، بسبب تداول أرقام كبيرة للمبالغ المالية التي يحصدها هؤلاء أبطال “الديجيتال” المزيفون من ” اللايفات ” التي يطلقونها كل ليلة !