إفادة
إفادة
الإثنين 19 أغسطس 2019 - 02:55

تراجيديا تفكك العالم العربي في عدد خاص بمجلة التايمز

أفردت المجلة الأمريكية عددها بالكامل، ب 40 ألف كلمة في محاولة للإجابة على السؤال المؤرق، في سابقة من نوعها، مؤكدة في مقدمة الملف ان الإجابة عن هذا السؤال صعبة، ومع ذلك قرر المؤلف سكوت آندرسون  والمصور الصحفي باولو بيلجرين، خلال عام ونصف، تتبع حكاية السقوط الأكبر، ومحاولة جمع شظايا كأس البلور المكسور في اليمن وسوريا ومصر وليبيا والعراق، كلمات وصور تحاول  لملمة وجمع معالم صورة رقعة أرضية مزقت إربا وغدا التطاحن فيها ديدنا، والانقسام والتفسخ عقيدة وإيمانا.

وهل يمكن لغير الجريح وصف غصته، وكيف للغريب أن يحس بألم اقتتال الأحباب وموت أبناء الوطن الواحد على أيدي بعضهم، بل ولما بدت انفراجة سميت ربيعا، نام العربي حالما، بالياسمين والفل، ليستيقظ على صيف تشققت أرضه خلاله وانبثقت لون الدم المتجمد والفائر سوادا، لذلك منح آندرسون 6 شخصيات من بلدان عربية مختلفة مساحة البوح، وعبر تجاربهم الذاتية تتشكل حكاية رقعة مشتعلة لم تخمد نيرانها إلا لتلعلع أكثر ويحمى جمرها الحارق الذي يكتوي بها أهلها الصادقون.

“جغرافية الكارثة واسعة وأسبابها متعددة ونتائجها مألوفة لنا جميعا” ، هكذا تحدث رئيس تحرير المجلة جاك سيلفرستاين. حكاية الصدع لم يكن من المقرر أن تكون موضوع العدد ككل، يوضح معهد بوليتزر لتغطية النزاعات الداعم للملف ، في موقعه، “الدراسة البحثية الطويلة جاءت خلال عشاء عمل في إحدى ليالي 2014 بين رئيس تحرير المجلة جاك سيلفرستاين  والكاتب سكوت آندرسون والمصور باولو بيلجرين لكتابة عدد كبير وملحمي  في الذكرى الخامسة لثورات الربيع العربي”، لكن لم يكن في الحسبان أن كرة ثلج ذكرى الربيع العربي ستكبر لتشمل الوضع العربي  وجذوره التي وضعت في سبعينيات القرن الماضي، وتتشعب لغزو العراق، وصعود داعش، وحلم الربيع العربي، وأزمة اللاجئين.

في هذا الملف تناوب على سرد الحكاية/ الواقع، تحت عنوان “أرض ممزقة… كيف تفكك العالم العربي بعد غزو العراق”، على مدى فصول خمسة ستة شخصيات مختلفة، عاشت الأزمة. من مصر كانت الأستاذة الجامعية والناشطة الحقوقية والسياسية ليلى سويف، ومن ليبيا كان السارد مجدي المنقوش، الطالب بأكاديمية الطيران، أما سوريا فيروي وجعها الطالب/ اللاجئ مجد إبراهيم، في حين تكلم العراق بلسان خلود الزايدي والتي رمت بها التصدعات من العراق إلى الأردن فأمريكا فألمانيا والنمسا، من شرفات حياتها المهنية والدراسية تتدفق الأحرف صرخات الوطن الذي عانى حكما ديكتاتوريا أنهي بحرب أمريكية شنت بكذبة، وبسنوات القيامة على يد داعش الدموية، داعش  التي استقطبت الكردي وقاظ حسن، خامس شخصيات الحكاية، يشاركه نفس الوجع آذار ميرخان المنحدر من منطقة كردستان العراق. 
يقص الأبطال 6 حكاياتهم التي يتقاسمون فيها إلى جانب الملايين من الناس الآخرين من منطقة الشرق الأوسط، تجارب الانهيار العميق”.

يقول الصحفي إن “جذور حكاياتهم الفردية تضرب في أعماق قصة أكبر عن كيف وصلت هذه البلدان إلى ما وصلت إليه، بدأت العملية قبل نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما اقتسم اثنان من الحلفاء المنتصرين بريطانيا وفرنسا، أراضي الإمبراطورية العثمانية المهزومة فيما بينهما، كغنائم حرب، …ضم البريطانيون ثلاث ولايات عثمانية كبرى تتمتع بحكم ذاتي وسمتها العراق. كان الشيعة العرب يهيمنون على المحافظات الجنوبية، فيما سيطر السنة على الوسط، والأكراد على المناطق الشمالية. في حين تم تقسيم أراضي سوريا الكبرى إلى أجزاء أصغر وأسهل في إدارتها، فكانت الرقعة الأصغر “سوريا ولبنان حاليا” تحت الحكم الفرنسي، فيما سيطرت بريطانيا على فلسطين وشرق الأردن، أما ليبيا فكانت من نصيب إيطاليا رغم تأخرها في دخول الملعب”.
انتهجت سلطات الاحتلال سياسة فرق تسد، من خلال تمكين أقلية عرقية محلية دينية أو عرقية، من الإدارة المحلية، إدراكا منها بأن هذه الأقلية لن تتمرد ضد كبرائها الخارجيين خشية أن تبتلعها الأغلبية من المهمشين.
وسط هذا يكمن نسيج معقد بصورة غير عادية من القبائل وامتداداتها القبلية والعشائر والنظم الاجتماعية القديمة التي ظلت المصدر الرئيسي لهوية السكان وولائهم.
 غادر الأوربيون في النهاية، وبقيت الانقسامات الطائفية والقبلية التي خلفوها وراءهم، فبذرة التقسيم والطائفة زرعت وأنبتت ورعيت جيدا. والتي واصل حكام التسلط اللعب عليها لمصلحتهم، فحكمت القلة العلوية في سوريا ذات الغالبية السنية، وهكذا في باقي مناطق التعدد الطائفي، وإن لم يوجد مثلها في حالة مصر، فالإيديولوجية مسعفة ومنها يضرب الإخوان واليسار بعضهم ببعض…

المصرية ليلى سويف تحكى عن حقبة جمال عبد الناصر والسادات، التي إضافة إلى اللعب على الإيديولوجيا، ركزت على اللعب بورقة العدو الخارجي، ومبارك الذي دشن مساره بحملة اعتقالات واسعة حكم فيها على زوجها بخمس سنوات.
يصور الكاتب خلال الفترة نفسها حال مصراتة الليبية في ظل حكم معمر القذافي المنقلب على الملكية، والمتخذ من قومية عبد الناصر نموذجا لحكمه، كما صدام في العراق وحافظ الأسد في سوريا، كل ذلك من خلال رصد حال الشخصيات أو عائلاتهم إبان هذه الحقبة، ومجار الحكام ضد معارضيهم، كما الحرب العراقية ضد إيران والكويت.
هكذا يلخص الفصل الأول المعنون ب “الجذور” أصول الأزمات من 1972 إلى سنة 2003.
لينتقل بعدها إلى الجزء الثاني “حرب العراق” والذي اعتبره الحدث المفصلي الذي جر قاطرة الأحداث المأساوية التي لا ننفك نشاهد أخبارها يوميا، متحدثا عن أنه رغم المأساوية فقد سمح “للمواطنين برؤية أن الحكام الذين يعتقدهم لا يمكن أن يتزحزحوا من أمكنتهم قد سقط واحد منهم”.
الفصل الثالث كان حول “الربيع العربي” حيث رصد الكاتب المرحلة من 2011 إلى 2014، من خلال سرد الشخصيات للأحداث كمدخل لذلك، فرصد حالة الأمل، والحلم، من وجهات نظر وزوايا مختلفة. الناشط الفاعل مثل ليلى سويف، والمكذوب عليهم كمجدي المنقوش الذي أزال غشاوة الرواية الرسمية بعد خروجه من الأكاديمية، ومجدي إبراهيم المراقب والمتخوف من دخول أتون الحرب الأهلية مجندا.

السقوط الحالم في مصر، والتحول المريع بعدها، الخروج الحالم ضد الأسد واشتعال فتيل الحرب الأهلية في سوريا، ليبيا بعد الطاغية القذافي، غذت أكثر دمارا، مقسمة إلى شيع من الفرقاء والجماعات المسلحة تتناحر فيما بينها، إنه المسخ في أبشع حالاته، -مع استثناء مسار تونس-يتساءل آندرسون في ملفه “لماذا اتخذت الأمور هذا المنحى؟ لماذا تضل حركة بدأت مع مثل تلك الوعود الكبيرة، الطريق بشكل مروع كما حدث؟، فكان جواب التايمز، إنه لا توجد إجابة مقنعة بالنظر إلى الطبيعة العشوائية للربيع العربي، إضافة إلى أن هذه الجمهوريات التي وقع عليها الأثر الأعظم كان بفعل” غياب الحس الجوهري بالهوية الوطنية مع شكل من الحكم أزاح المبدأ التقليدي المنظم للمجتمع”، لذا صارت رمادا متناثرا ودمار يعمي عيون الحالمين بالربيع.


الفصل الخامس تروي فيه خلود الزايدي الفارة من العراق للأردن، ووقاظ حسن المستقطب، وأذار ميرخان المحارب الكردي، كل من موقعه، “صعود داعش” ووحشية التنظيم في العراق، وكيفية استقطابه للمقاتلين، وتوسعه في سوريا. ليصل للفصل الأخير حيث أزمة “الهروب الكبير”، الشخصيات أغلبها سافرت بحثا عن الأمان، وغادرت دولا تئن وجعا، حاملة شعلة أمل مغدور مدفون في الثنايا، تركت  دولا صارت خربة، ولا يمكن التنبؤ إن كانت ستقوم لها قائمة من رمادها، أم تثبت أن العنقاء المنبعثة أسطورة لا تصلح للعالم العربي.

 الملف الذي اعتبرته وسائل إعلام “ملحمة صحفية”، نموذج للصحافة التي تعمل خارج اليومي وإطاراته، إلى آفاق إنسانية أرحب، ومشاريع أكبر، 16 شهرا من العمل الصحفي الاستقصائي، وعشرات التغطيات المصورة مستمدة من رحلات المصور الصحفي نيلجرين للمنطقة خلال أربعة عشر عاما بالإضافة إلى فيديو للقوات العراقية وهي تقاتل لاستعادة مدينة الفلوجة من داعش.
سرد لا يستعرض كل خبايا الحكاية، لكنه يحاول تقديم تفسير ويقر بمسؤولية القوى الغربية فيما حدث، فمتى تنجلي سوداوية هذا الظلام القاتم عن عالم غني بالثروات والطاقات الشابة؟ ومتى لا تغدر الثورات وتخبو التماعة الأماني في الأعين الحالمة؟ ومتى لا يولى فيه حكام يعشقون الكراسي؟ ويدوسون بثقلها على مواطنيهم؟.

التعاليق

اكتب تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

المزيد من سياسات دولية

تلفزيون الموقع

تابع إفادة على:

تحميل التطبيق