خلقت التجارة علاقة متميزة بين السلاطين والتجار المغاربة، سمحت بتحقيق فئة التجار لأرباح كبيرة، تعتمد في جلها على سياسة احتكارية في تصدير واستيراد عدد من المواد الاستهلاكية، مقابل ان يضمن المخزن ولاء النخبة التجارية له بشكل دائم.
ويرى المؤرخ الفرنسي “جان لوي مييج” انبثاق طبقة رأسمالية بدائية –مغربية-، يشبه على نحو لافت ظهور البرجوازية اليهودية في أوربا خلال القرن الثامن عشر، حيث اتسم التجار اليهود في كلتا الحالتين بخصائص متماثلة، منها: المضاربة في الاثمان على المدى البعيد، واستغلال ظرفيات الدورات الاقتصادية، وتكوين الثروات بامتلاك الأراضي والعقارات.
النخبة التجارية
لم تكن لفظة “التاجر” في حواضر العالم الإسلامي تدل دائما على شخص اختار ممارسة التجارة لكسب قوته اليومي فحسب، بل تجاوزته للدلالة على التجار المتعاملين في تجارة الجملة تمييزا لهم عن امثالهم من المهتمين أساسا بالتقسيط.
ولم يكن بإمكان أحد ان يتاجر في السلع تصديرا واستيرادا دون الحصول على ظهير سلطاني يسمح له بذلك.
من ثم كان تجار السلطان يشكلون مجموعة متحدة يستلزم الالتحاق بصفوفها نيل مباركة السلطان والحصول على موافقته الرسمية.
واعتمد السلطان على التاجر في تسيير شؤون تجارته، كما اعتمد التاجر على قروض مالية من القصر دون فوائد مما عزز روابط هذين المكونين، وفي مقابل ذلك يكون التاجر ملزما بالوفاء بديونه للسلطان بواسطة أقساط شهرية، كما يتوقع المخزن من تشجيعه التجار على تحقيق مشارعهم وعملياتهم التجارية ان يحصل عائدات مالية من الواجبات الجمركية التي يؤديها التاجر لأمناء المخزن في المراسي.
وكان السلطان يسلم دورا مخزنية في القصبات بإيجار منخفض، مما ساهم في تكوين نخبة تجارية موالية ومرتبطة بالسلطان.
وكانت فئة التجار هذه التي تتمتع بالامتيازات، على الرغم قلة عدد افرادها، هي كل ما يحتاجه السلطان في تعامله التجاري مع دول خارجية خاصة أوربا.
امام ضبط السوق من طرف القصر بواسطة القروض المخزنية، صعب على أي تاجر مستقل ان يدخل حلبة المنافسة، بسبب حصول تجار السلطان على سلفات مهمة علاوة على ما يمنح لهم من تسهيلات في تسديد الواجبات الجمركية، وما ينفردون به من احتكار لتجارة العديد من السلع، في المقابل تم اعتبار أي تجارة دون موافقة السلطان تهريبا.
ومع بداية خمسينيات القرن 19 بدأ هذا الوضع يتغير مع الضغوط الخارجية التي مورست على السلطان مولاي عبد الرحمن، وتوقيع المغرب لمعاهدة 1856 مع بريطانيا وما لحقها من اتفاقيات مماثلة عقدت مع بلدان اوربية أخرى، نجم عنها تحرير السوق والمبادلات التجارية، مما مكن مؤسسات تجارية كثيرة القيام بأنشطتهم خارج المراقبة المباشرة للقصر السلطاني.
الامر الذي ساهم في حصول العديد من التجار المغاربة “خاصة اليهود” على الجنسيات الأجنبية والحماية القنصلية.
وكانت الاسر التجارية الثرية تحتل في حواضر المغرب مراتب السلم الاجتماعي، تستثمر في العقارات والممتلكات الثابتة، غير ان الثروة ليست المقياس الوحيد للانتساب الى النخبة، بل هناك معايير أخرى حاسمة في هذا الصدد، منها درجة الرسوخ في العلم والمعرفة، والعلاقات الاسرية، ثم الوظائف السياسية والاجتماعية، اذ يمكن للشرفاء والعلماء ولرجال المخزن وخدامه، ولربما أيضا للحرفيين، ان يحتلوا مكانة بارزة في السلم الاجتماعي.
ال قرقوز “نموذج لعائلة تجارية مرتبطة بالقصر”
كانت من العائلات التجارية الذين اعتمدوا في انشطتهم على السلفات السلطانية، قطنوا مدينة مراكش الى ان جاءهم الامر المولوي بالمغادرة الى مدينة الصويرة للوقوف على امر تجارتهم.
وكانت لهم مكانة بارزة تعزى الى دورها في تزويد القصر بسلع الرفاهية والترف، اذ يتكرر الحديث في الرسائل الصادرة عن وزيري السلطان، بوعشرين وموسى بن احمد، الى الاخوين قرقوز –ابراهام ويعقوب- عن طلبات تتعلق بجلب “الصقلي والاثواب الرفيعة والاثاث الإنجليزي والشكولاته”.
وأحيانا كثيرة كان يتلقى أمناء المراسي أوامر سلطانية بألا يخضعوا مثل هذه المواد والسلع لأداء الرسوم الجمركية.
وتتعزز هذه الصلاة مع القصر من خلال العلاقات الشخصية الموجودة بين ال قرقوز وحاشية السلطان، كما تجمع بين نخبة التجار اليهود ورجال المخزن مصالح مشتركة تتجاوز الحدود الدينية.
ويظهر من كل هذا ان مؤسسة قرقوز التجارية قررت الا تتخصص في سلعة بعينها، حتى تقلل من مخاطر الوقوع في الازمة دفعة واحدة.
وكان ال قرقوز من اهم المتعاملين بنظام الالتزام الذي يسمح لهم بشراء حق تحصيل الضرائب، بل وتقوى نفوذهم بعد سنة 1860 بعدما قامت الدولة المغربية بالتنازل عن جمع مكوس أبواب الصويرة واسواقها.
وفي ستينيات القرن 19 حل عكان بالصويرة وفي حوزته رأسمال ضخم منحه إياه السلطان على سبيل السلف، كما زوده بدار سكنية من الأملاك المخزنية، ونعم بامتيازات سلطانية عديدة على مدى عقد من الزمن، وكان يشاع ان له تأثيرا عظيما في قائد الصويرة بحكم علاقاته المتينة مع الوزير موسى بن احمد، وقد حصل عكان قرقوز على تسهيلات لاداء واجباته الجمركية، عن صادراته الى الخارج، وسمح له بموجب ظهير سلطاني بحق شراء بعض الاحتكارات، كما حصل على بعض الاحتكارات، كما حصل على حق استغلال مكوس الأبواب مدة من الزمن، وكان مشهورا عنه انعدام المير في تنفيذ اعماله التجارية، مما ارغم ابراهام قرقوز أحيانا على التخلي عن قريبه بل على الانفصال عنه، ويبدو ان يعقوب قرقوز وصهره، دينار اوحنا، المشتركين في التعاقد على حق استغلال جمع مكوس الأبواب.
Warning: Undefined variable $postData in /home/ifada/public_html/wp-content/themes/NewsPaperOne-Light/template-parts/content/content-single.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on null in /home/ifada/public_html/wp-content/themes/NewsPaperOne-Light/template-parts/content/content-single.php on line 55
Warning: Attempt to read property "ID" on null in /home/ifada/public_html/wp-content/themes/NewsPaperOne-Light/template-parts/content/content-single.php on line 55
أضف تعليقك