تاريخ التجنيد الإجباري بالمغرب وفشل الإصلاحات العسكرية
رشيد السمكي
مع مطلع القرن 19 واحتكاك عناصر الجيش المغربي بالجيوش الأوربية الحديثة، خصوصا بعد هزيمة إيسلي وتطوان، اتجه المخزن إلى إصلاح الجيش، خلال عهدي السلطانين المولى عبد الرحمان وابنه سيدي محمد.
فهذه رسالة للتاجر مصطفى الدكالي الرباطي الشهير إلى الوزير محمد بن ادريس العمراوي، يقدم مجموعة من النصائح العملية إلى المخزن لإنجاح مشروع تنظيم الجيش:
– أن يكون امر الصغير عند امر الكبير، وان يعلم كل واحد مرتبته ولا يتعداها ابدا.
– توفير كسوتين من الملف بالنسبة لفصل الشتاء، واخريين من الكتان لفصل الصيف.
– مدة التكوين والتدريب ست ساعات في اليوم.
– السكن والغذاء
– تجنيد العزاب فقط والكهول الاصحاء.
– يعطى للعسري في كل يوم وجهان فقط، ولكبيرهم درهم، وللاكبر منه اوقيتان…
ولتمويل الجيش اقترح الدكالي رفع قيمة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة.
وهذه رسالة أخرى لعبد السلام اقلعي، مبعوث السلطان مولاي عبد الرحمن، إلى باشا مصر محمد علي، جاء فيها:
“وقد اجتمعت بعزيزها وافنديها محمد علي … وسألني عن جند سلطان المغرب. فقال كم عنده من العسكر، فقلت عنده مائة وخمسين. فقال هذه سبع سنين أو خمس سنين، منذ سمعنا يكتب النظام، فقلت له يبلغ في كتب النظام ألفين ويهربون، فقال لي يهربون من ظلم رؤسائهم، ومن الجوع، والعري…”.
وها هو المؤرخ عبد الرحمن بن زيدان يتحدث عن إصلاحات السلطان المولى عبد الرحمن مشيرا إلى ما يلي:
“… وكلف بتنظيمه على نسق التنظيم التركي عامليه اشعاش وازطوط، ولكن لم يتم بذلك امر، لأنفة الناس مما لم يألفوه، وما انتظم في ذلك السلك غير من لا يوبه من اخلاط الرعاع، فارتكبوا ما هو من شانهم من كل شنيع، فاغتاظ -(السلطان)- بذلك وامر بتركه وابطال العمل به ..”.
ورغم محاولات السلطان تشكيل جيش مغربي وتنظيمه، الا ان محاولاته باءت بالفشل، حيث كان يهرب الجنود، جماعات من الخدمة العسكرية، فقد كتب السلطان الى بوسلهام بن علي ازطوط في هذا الصدد، ما يلي:
” وبعد، فقد بلغنا ان عسكر النظام الذي بثغر طنجة انتثر نظمه، وتفرق في القبائل والبلاد، حتى وصل منه لتطوان ثمانية، امرنا خديمنا الحاج عبد القادر اشعاش بردهم اليك في اكبالهم.”.
وهكذا تظافرت عوامل اجتماعية وثقافية وتنظيمية للحيلولة دون انتظام جيش مغربي قوي، بالرغم من كل المحاولات الإصلاحية.
بعدها حاول المولى الحسن الأول، تدارك الموقف في بداية عهده، فالزم المدن والقبائل بإعطاء عدد معلوم من أبنائها للخدمة العسكرية، الا انها محاولات باءت كلها بالفشل.
فكان ذوو اليسر والثراء، والنفوذ والنسب، يتمكنون من التملص من الخدمة العسكرية، باستئجار افراد من الفئات البسيطة في المجتمع للنيابة عن أبنائهم واقاربهم في قضاء فترة الخدمة العسكرية، او بإرشاء القواد واعوانهم، بهدف الاعفاء التام منها، او بالاحتماء والاستظلال بشخصية من رجالات المخزن.
هذا بالإضافة الى اعفاء فئات عريضة من المجتمع من الخدمة العسكرية، كالاشراف وارباب الزوايا والتجار، وجميع من كان بحوزتهم ظهير سلطاني، يستثنيهم من القيام وأداء ما كان مفروضا على عموم الناس، كما في الرسالة التالية :
” وبعد فقد اطلعت على ظهير مولانا المنصور بالله بيد الحاج قاسم الصفار بتحرير أولاده من العسكر. ثم انك قبضت ولده، ووجهته في السلسلة الى نصف الطريق، ورددته، وما كان ينبغي لك ذلك…”.
وبما ان اغلبية المغبة، وبالخصوص في المدن، كانوا ينفرون من الخدمة في الجيش، وقليلا ما ينخرطون عن طواعية، فان العمال كانوا يجندون كل من يعثرون عليه في مدينتهم، سواء من اهل المدينة، او غرباء عنها، وتوضح شكوى بعثت بها امرة اسمها رقية بنت محمد الخضر الى السلطان، تشتكي تجنيد ابنها من طرف عامل سلا، رغم انها كانت وولدها مارين من المدينة فقط.
وتوضح رسالة للقايد مبارك بوخبزة الى الحاجب احمد بن مبارك، ما يلي:
” وبعد فقد كتبنا لجلالة مولانا ايده الله وعرفناه، دامت سعادته بتوقفنا غاية التوقف على السلاسل لنوجه فيهم العسكر الذي يحاز من القبائل الجبلية كون العمال ياتونا به في الاحبال، ويوصون بحفظه حتى يصل للاعتاب الشريفة متموما…”.
من جهة أخرى كان المخزن يقوم بحملات اشهارية بهدف استقطاب أبناء القبائل للدخول في الجيش، عن طريق النداء في الأسواق “البراحة” وعن طريق الخطب التي تلقى في المساجد.
والملاحظ ان ظاهرة الفرار من الجيش كانت منتشرة، يرجع السبب وراءها الى عدة عوامل، تتعلق بوضع البلاد اثناء فترات التمرد والفتن، او فترة الحصاد والويلات والامراض والقحط، الى جانب ظلم المخزن للمجندين، وكذا هزالة اجرهم، والذي كان ينقطع عنهم في غالب الوقت، مما يهدد قوتهم وقوت عائلاتهم.