بعد مخاض عسير عرفته التوترات و الاحتقانات الأخيرة بين موسكو و كييف، يفجر الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” يوم الخميس 24 فبراير الجاري، أول هجوم روسي عسكري على أكرانيا، يدعمه في ذلك الانفصاليون الأوكران، الذين أعلنوا استقلالهم عن كييف و الذين اعترف لهم بوتين باستقلالهم، حيث وقع معهم اتفاق تعاون و صداقة.
و قد اعتبر هذا بمتابة تدخل معلن في الشؤون الداخلية لأوكرانيا، مما رفع من وتيرة التنديدات و الاحتجاجات الدولية.
هذا و قد اعتبرت الهجمة الروسية على أكرانيا بمتابة ناقوس خطر، وضع دول الحلف الأطلسي و أمريكا أمام الأمر الواقع، للبحث عن السبل الكفيلة باحتواء أذرع هذا الأخطبوط قبل أن تمتد بعيدا .. فروسيا تهدف من وراء كل هذه السيناريوهات إلى وضع حد للهيمنة الأمريكية، و لكل من يدور في فلكها.
فهل الأمر إذن، إيذان بحرب عالمية جديدة بين الشرق و الغرب، أم حرب ستختلط فيها كل الأوراق؟
في سباق مع الزمن تعالت التنديدات، و كلها تقريبا تصب في ضرورة فرض عقوبات رادعة ضد روسيا. فأمريكا نددت بمعية حلفاؤها في مجلس الأمن بالوضع، ريثما يتم اتخاذ عقوبات ضد روسيا.
و في نفس الاتجاه دعا الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إلى عقد قمة عاجلة للنيتو ردا على الغزو، كما صرح المستشار الألماني أن “بوتين” يهدد الأمن و السلام في كل أوروبا، حيث اقترح اجتماعا عاجلا لزعماء أوروبا والنيتو، مع دعوة “بوتين” لوقف إطلاق النار و سحب قواته فورا.
من جهة أخرى رفض وزير الخارجية التركي الهجوم الروسي على أوكرانيا، معتبرا إياه انتهاكا للقانون الدولي و تهديدا للأمن العالمي، كما أوضح “أردوغان” الرئيس التركي أن رد فعل الناتو على الهجوم الروسي، يجب أن يكون أكثر حزما و أن الإدانة و حدها لا تكفي.
و بخصوص الرئيس الأمريكي بايدن فقد قال: ” أنا أراقب الوضع من البيت الأبيض و سأتحدث إلى زملائي في مجموعة السبع اليوم الخميس”.
و أضاف: “روسيا وحدها هي المسؤولة عن الموت و الدمار الذي سيحدثه هذا الهجوم، و سترد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بطريقة موحدة و حاسمة”، مضيفا أنه سيتمم نشر قوات أمريكية شرق أوروبا بدول، مثل استونيا و ليتوانيا.
و المثير للانتباه أن أغلب العقوبات التي لوح بها “بايدن” هي عقوبات اقتصادية، حيث أكد أنه سيحرم موسكو من أي تعاملات تجارية في الولايات المتحدة،
كما تضيف ممثلة أمريكا في الأمم المتحدة السيدة “ليندا توماس غرينفيلد” قائلة: ” روسيا هي المعتدية و هجومها على أوكرانيا بمتابة هجوم على الأمم المتحدة و كل دولة عضو”.
و بموازاة كل ردود الأفعال هاته، أعلن حلف الناتو أنه سيفعل خططه الدفاعية للدول الحليفة، كما صرح “ستولتنبرغ” أمين عام حلف شمال الأطلسي عقب اجتماع طارئ لسفراء دول الحلف بقوله: “دعونا إلى قمة عبر الفيديو غدا الجمعة لتحليل المسار الذي يجب سلوكه، و فعلنا الخطط الدفاعية بهدف التمكن من نشر قدرات الرد حيث يلزم الأمر”.
و من المسلم به أن هذه الحرب ستلقي بظلالها على العالم بحيث سيعرف تحولات، إن على مستوى النظم السياسية أو الاقتصادية، مع احتمال حدوث تسابق نحو التسلح النووي، حيث الجديد أن روسيا تمكنت من السيطرة على المفاعل النووي في أوكرانيا.
و إذا كان من باب تحصيل حاصل أن لهذه الحرب تداعيات و آثار آنية و بعدية على العالم، فإلى أي مدى و على أي مستوى سيكون لها تأثير على المغرب؟
فللإجابة على هذا السؤال نركز ابتداء على حيثيات المرحلة في دول البحر الأسود، حيث خلال عشر سنوات استطاعت روسيا وأوكرانيا أن ترفع صادراتها من القمح ، الذرة وعباد الشمس ب 300٪. وأن تكون من المصدرين الخمس الأوائل عالميا، و من هذا المنطلق تأتي تخوفات الدول التي يعتمد اقتصادها عليها، عند كل أزمة تحصل بين البلدين حيث نذكر سنة 2014، لما استرجعت روسيا أراضي ال Crimée من أوكرانيا إذ سرعان ما ارتفعت أثمنة المنتجات الفلاحية ب 15٪.
وقد لا نندهش إذا رأينا أن سعر الطن من مادة القمح مر من 200 أورو خلال الصيف الماضي إلى 260 أورو. فروسيا هي التي تمون غالبية دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط. و التضخم وارد بهاته الدول ودرجة التأثير أكثر عندما نتحدث عن الزيوت. فأوكرانيا المنتج الأول عالميا لعباد الشمس، الذي بات المصدر الأول للزيوت، حيث اوربا تستورد الزيت الأوكراني.
تشهد الصادرات الأمريكية والأوربية حينها نموا مطردا وبالمقابل يختل المخزون لدى هاته الدول لتتأثر الأسعار في انتظار محصول السنةالمقبلة.
المتتبعون الإقتصاديون انتبهوا إلى فطنة الفاعل الإقتصادي المغربي، الذي منح تسهيلات جمركية لدولة أوكرانيا تمتد إلى متم ماي المقبل المغرب، الذي يحتاج إلى استهلاك 10,4 مليون طن من القمح.
المصدرون التقليديون فرنسا وروسيا لن يقووا على الإيفاء بالطلب أمام شهية أوكرانيا.
و يبقى المغرب كغيره من دول العالم سيتأثر بهذه الحرب الروسية الأوكرانية. و في هذا الصدد صرح السيد “محمد جدري” الخبير الاقتصادي، أن اقتصاد المغرب من المتوقع أن يتأثر بالحرب بين روسيا و أوكرانيا، حتى إن المواد البترولية سوف تتجاوز 100 ألف، مضيفا أن هذا الوضع سيؤثر لا محالة على كل سلاسل الإنتاج المرتبطة أساسا بالمواد البترولية.
و يرى هذا الاقتصادى أن “المغرب يعد من المستوردين للقمح الروسي و الأوكراني” و أن “‘بلادنا مطالبة بالبحث عن موردين جدد” داعيا الحكومة من خلال تصريحه، إلى إيجاد حلول بديلة حتى لا يتأثر الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل ظروف تأثرت قبلا بالجائحة، و موسم فلاحي يتسم بالجفاف هذه السنة، ما يعني أن المغرب لن يظل بمنأى عن تأثيرات الحرب، سواء على مستوى الحبوب أو البترول و الغاز، أو المواد الغذائية أو باقي المواد الاستهلاكية الأخرى.
و للإشارة فإن الحل الوحيد و الأوحد للدول الأكثر هشاشة كالمغرب و مصر هو البحث عن ممونين جدد حتى لا تتأثر هذه الدول بتبعات الأزمة التي قد تأتي على الأخضر و اليابس.
أضف إلى هذا ظرفية الحرب الاستثنائية التي فاجأت المغرب، و لم يتخلص بعد من مضاعفات جائحة كورونا، إلى جانب موسم فلاحي شبه جاف هذه السنة.
أضف تعليقك