
المَتَيَان
رأيت في المنام أني أصلي الفجر في مسجد الحيّ،ولما سلم الإمام وسلمنا، التفت إلى الجار الجُنُب عن يميني، فإذا هو شيخ وقور بلحية بيضاء يفيض وجهه نورا وهيبة وجلالا. مددتُ يدي إلى مصافحته وأنا أقول له:
ـــ من أنت يرحمك الله؟ لم أرك بهذا المسجد قبل اليوم.
ـــ أنا سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري
ـــ أبو زيد؟ مرحبا بك، بأهلك نزللت، وبسهلك حللت. طالما استفدنا من ( نوادرك )
ـــ وعلى من قرأتها ياولدي؟
ـــ قرأتها في صحف الكتاب. لم نعد مثلكم نقرأ الكتب على الشيوخ.. متى حللت بوادينا؟
ـــالآن فقط. هل تعرف عني شيئا؟
ـــ الكثير الطيب
ـــ متى ولدتُ إذن؟
ـــ سنة مائة واثنتين وعشرين من هجرة نبينا عليه السلام. ومتَّ سنة خمس عشرة ومائتين
ـــ أنا لم أمت ياولدي، ولكن توفاني الله. العلماء لا يموتون:
يموت أناسٌ بالحياة، وبعضهم ××× يعيش ولو أنهى الحياةَ ويخلُدُ
وأنت متى ولدت ومتى مت إن كنت قد مت؟
ـــ أنا ولدتُ بعد وفاتك بأكثر من اثني عشر قرنا، ولم أمت بعد، وإن كنت أتهيأ للرحيل
ـــ كم عشت من العمر؟
ـــ أكثر من سبعين عاما
ـــ وإن امرأً قد سار سبعين حِجَّةً ××× إلى منهلٍ… من وِرْدِهِ لقريبُ
ـــ بشرك الله بالخير ياشيخنا.
ـــ وما أدري إذا يمَّمتُ أرضا ××× أريد الخــــير أيهما يليني؟
أَأَلـــخيرُ الذي أنــا أبــــتغيـه ××× أم الشَّرُّ الذي هو يبتغيني؟؟
ـــ فلأغتنم حضورك الآن على الأقل، قل لي ياشيخنا، وبمناسبة السؤال ب ( متى )، كيف تُثَنِّيها؟
ـــ يقولون في اللغة ياولدي: ( متى الشيءَ يمتيه ويمتوه إذا مَدَّده )، فمثناها إذن ( متَيَان ومَتَوَان ) كلاهما.
ـــ هل تعرف لذلك شاهدا من شعر العرب؟
ـــ نعم كنت سمعت في الحداثة، وأنا بالبادية، أعرابيا عاشقا ينشد:
أقولُ: متى يامُنيةَ القلب نلتقي؟ ××× تجيب: متى يرضى بذاك زماني
نظلُّ كما كنا بعيدين عُــــمْرَنا ××× ويـــربط فيـــما بيــــنا ( المَتَيَانِ )
…. ثم أفقتُ فإذا الخيط الأبيض قد تبين من الأسود، وإذا أنا قد دخلت في الصيام
التعاليق