هيئة التحرير افادة الأحد 22 مارس - 02:27

المغاربة واجهوا الأوبئة والكوارث بطقوس التدين والخرافات

امام ما وقع ليلة امس من خروج الناس الى شوارع بعض المدن “كفاس، وطنجة، وتطوان، والقصر الكبير..”، ارتأينا ان نسلط الضوء على مساحة تاريخية، عاشها المغرب، في مواجهة الكوارث الطبيعية التي اجتاحته في عموم البلاد، بدء من الطواعين، مرورا بالجوع، والفيضانات.

ولان اعطتنا بعض المصادر صورة عن تصور المغربي، لمحيطه، وما يجري حوله، فان اغلب الناس يلجؤون الى التفسير الغيبي الخرافي لمثل هذه الظواهر، مع الانغماس في جلد الذات .. حيث يعتبر العديد ان ما يحل بنا هو عقاب الاهي لما نرتكبه من معاصي ومخالفة لأوامر الله …

اطلالة على رسالة وجهها احد علماء مدينة فاس وهو عبد القادر الفاسي الى الحاج محمد بن المدني بنيس مؤرخة ب 1868، نجد ان التفسير الميتافيزيقي لانتشار الأوبئة والمجاعات هو الغالب، حيث جاء في رسالته “الجوع .. قاهر بالسطوة الإلهية وان كنا مستحقين لجميع ما يحل بنا لما نحن عليه من العصيان والمخالفة”.

ويلاحظ ان انحباس المطر والمجاعة والطواعين شكلت العديد من مظاهر التدين والطقوس المصاحبة له، فقد كان الناس يقيمون صلاة الاستسقاء، مسبوقة بالصوم لثلاثة أيام، حيث كانوا يخرجون خاشعين، مبتهلين، ومرددين دعاءات الغيث واللطيف، متبركين بأضرحة الاولياء، وهذا الفقيه مفضل أفيلال يذكر “انه لما وقع القحط بتطوان عام 1858، خرج اهل تطوان يستسقون خارج البلد ولهم ضجيج وصياح يطوفون بضرائح الاولياء ومعهم القاضي والطلبة والاعيان، وكلهم وافقوا على مخالفة سنة الاستسقاء، وارتكبوا البدع، فنزل عليهم مطر يسر كاد ان يبل ثيابهم”.

ويورد المريني في كتابه “صور من التاريخ البطولي لمنطقة جبالة، ان مثل هذه التظاهرات، البعيدة عن السنة، تصحب خاصة في البادية، بشعائر وتقاليد غريبة، قد تكون بقايا معتقدات قديمة، من ذلك ان العادة جرت في بلاد جبالة بالشمال بخروج رجال القرية حفاة بأطفالهم وشيوخهم، وساعة وصولهم الى احد الوديان، كان الشبان يحملون على اكتافهم وجهاء القرية وموسريها وكبار فلاحيها، ويلقون بهم بملابسهم في الواد, ومن لحظة لأخرى كان الشبان يرتمون فوقهم ليغرقوهم ويتأكدوا من ان الماء بلل كل ما يرتدونه، ثم يعمدون الى بقرة سمينة في ملك عائلة معينة، فتذبح وتوزع على الحاضرين بعد ان يحدد لها ثمن رمزي، ويأخذ كل واحد نصيبه وينطلق كل واحد الى حال سبيله.

ويتضح ان سنوات الازمة التي تصيب المغرب، تكون مدعاة لانتشار الخرافات حيث تغيب العقلية النقدية لدى جل الناس، فهذه سنة 1186 ميلادية، حيث اذاع بعض المنجمين اخبارا زائفة حول فناء العالم، مما جعل المسلمين يرتعبون، فقد أورد المؤرخ العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب في اخبار منن ذهب ان “اجمع المنجمون هذا العام في جميع البلاد على خراب العالم في شعبان عند اجتماع الكواكب الستة في الميزان بطوفان الريح، وخوفوا بذلك الاعاجم والروم فشرعوا في حفر مغارات ونقلوا اليها الماء والزاد وتهيأوا، فلما كانت الليلة التي عينها المنجمون لمثل ريح عاد ونحن جلوس، والشموع توقد فلا تتتحرك ولم نر ليلة مثل ركودها”.

هذه الذهنية الخرافية أضحت سمة غالبة على ثقافة المجتمع في فترات الانحطاط، والشدائد، يحاولون من خلالها دفع الافات والجوائح التي تصيبهم، ونجد المؤرخ محمد الضعيف يتكلم عن طاعون سنة 1754، حيث أورد ان الطاعون افرز حركة مهدوية انطلقت من سوس، تزعمها محمد وعلي نبقلا الشريف الكثيري السوسي، وادعى انه “مول الساعة” واجتمعت عليه الالف من الطلبة وبايعه الحاج علي بن العروسي والجل من اهل سوس”.

ورغم ان هذه الازمات عرفت انتشار للخرافة والأفكار الغيبية، بشكل كبير، من اجل إيجاد خلاص جماعي من غضب الله او غضب الطبيعة، الا ان الآمال الحقيقية يورد محمد الضعيف، كانت معقودة في الواقع على من تتوفر فيه المشروعية لإنقاذ البلاد، ونعني به مولاي عبد االله حيث كتب “ولم يجعل الله لأهل الغرب راحلة الى ان من الله عليهم برجو مولانا عبد الله”. بيد ان المستفيد الحقيقي من هذه الحالة هو ولده محمد الذي كان قد تمكن من إعادة الهدوء في القسم الأكبر من جنوب البلاد، فما ان توفي والده حتى التف حوله الجميع وكانه مبعوث من السماء.

التعاليق

المزيد من تاريخ

تلفزيون الموقع

تابع إفادة على:

تحميل التطبيق