الأربعاء ٠٩ أكتوبر ٢٠٢٤

الباحث رشدي: إلباس البحوث العلمية عباءة الطب النبوي يستهدف إخضاع الأتباع

السبت 18 أبريل 18:04
8870

انتشرت مؤخرا العديد من النقاشات التي طفت على الساحة المغربية، لها علاقة بالتدين والجائحة التي تعيشها البلاد بسبب فيروس كورونا.
وظهر هنا دعوات من طرف رموز الوهابية تدين اغلاق المساجد، وهناك خروج للشوارع تطلب اللطيف من الله، مما جعل النقاش يحتدم حول الدوافع والخلفيات التي تحكم هذه السلوكيات.
من جهة أخرى عاد نقاش قديم، جديد، يتعلق بالطب النبوي وقدرته على الشفاء، جر حتما نقاش الاعجاز العلمي الذي يحتويه الإسلام في نصوصه “القران والسنة”.
في هذا الحوار مع الدكتور رضوان رشدي الباحث في الفكر الإسلامي، حاولنا وضع اليد على هذه الإشكالات.

اولا جائحة كورونا التي أصابت العالم ومن ضمنها المغرب، افرزت عددا من السلوكيات الدينية لدى المجتمع المغربي. (مثال خروج مجموعة من المواطنين الى الشوارع من اجل طلب رفع الغضب الالاهي..)
كيف تقيمون هذا الامر على ضوء تاريخ الفكر الديني للمجتمع المغربي..؟

جائحة كورونا كشفت عدة أشياء على المستوى القيمي والأسس التي ترتكز عليها الدول، وقد أظهرت حقيقة كيف أن الاستثمار في بناء الإنسان على مستوى النظم الرأسمالية العالمية كان ضئيلا، سواء على مستوى البحوث العلمية أوالقدرات الصحية، والاختلاف بين الدول مستقبلا سيكون مرده لهذا الاعتبار، أما الدول التي لا تملك مرتكزات في هذا الشأن، ويحس الواحد فيها أنه معرض للموت لا محالة بسبب استحالة القدرة الصحية على استيعابه، فإنه سيكون مضطرا بالمعنى الشرعي، ولن تكون وجهته سوى الدعاء لإزاحة الجائحة… ومن التصورات السقيمة في هذا الشأن إنما هي تلك النزعة الجبرية الاستسلامية للجائحة وكأن الوباء عذاب إلهي وقدر محتم على الإنسان يجب أن يُنصاع إليه بإسقاط جميع سبل التدبير، مع العلم أن الوباء كان عاما بين الشعوب والدول المختلفة، والحكمة تقتضي اتخاذ جميع السبل لمواجهته لاسيما المتعلقة بالكفاءة البحثية والجهود المخبرية. 

راينا ان الجائحة اخرجت العديد من مشايخ السلفية الوهابية في المغرب، محاولين ايجاد موطيء قدم لهم فيما يقع.
(كابو النعيم، والكتاني ..)، رفضوا خلالها اغلاق المساجد، وقرارات اخرى تمس الحقل الديني للمغاربة.
كيف تقيمون هذه الخرجات في ميزان تاريخ الوهابية بالعالم العربي ؟ 

النسق السلفي مدرسة قائمة على الفهم الظاهري للنص، سواء على المستوى الفقهي أو العقدي، مع تبعية مطلقة لشيوخهم ذوي النزعة الحنبلية. وكلما غصنا في هذا النسق وجدناه متجذرا في التاريخ لاسيما وإن العقيدة الحنبلية المتعلقة بحمل الصفات الإلهية محمل الحس إنما انبثقت بإكراه التاريخ وما ارتبط بمسألة خلق القرآن. وكتاب عبد الله بن أحمد بن حنبل المسمى (السنة) شاهد على الفهم الظاهري للنصوص فيما يخص الذات الإلهية، فإذا اكتمل النسق بإضافات الشيوخ الحنابلة المعاصرين فهما أو نصا، فإن أي منتسب لهذا المذهب العقدي سيتساوق حتما مع فتاويهم ورؤيتهم للأشياء، وقول واحد من السلفيين مثلا: قال أهل العلم، فالمقصود به فقهاؤهم لاسيما المعاصرون منهم.
وحيث إن هذا المذهب العقدي ميال في تصورنا نحو المفاصلة بحيث إن من يخالفه عقديا فإنه ضمن الفرقة الثلاث والسبعين، وما في ذلك من الوسم بالضلال والزيع والكفر والابتداع، فإن التبعية لهذا المذهب من قبل البعض هنا سيشكل خطرا على السلم الاجتماعي باستقدام فتاوي قد تهدد قصد النفس وباقي المصالح الكلية باعتبار أن قصد الدين قد هدد في نظرهم، والمقصود بالدين هاهنا إنما هي رسومه وأشكاله وهيأته الظاهرية، ومن ثم فإن خرجاتهم ستكون دائما حين يرون مخالفة لأصولهم العقدية أو رؤيتهم الفقهية، والحل في نظري كامن في توحيد المرجعية الفقهية واقعا وإقامة بحوث خاصة بالرؤية الأشعرية التي كان عليها جل العلماء المغاربة كابن رشد والقاضي عياض والباجي وأبي بكر بن العربي والشاطبي … فضلا عن كبار علماء المشرق مثل الغزالي والنووي وابن حجر العسقلاني وغيرهم…

ايضا ارتبطت الجائحة التي ضربت المغرب بظهور القديم الجديد، وهو “الطب النبوي” ودوره في الشفاء من هذا الفيروس الخطير، ظهر الى جانبه في الجهة الاخرى دعوات الى العقلانية والقطع مع هذا “الدجل” كما يسمونه.
كيف تقيمون تجربة الطب النبوي من خلال الأثر الاسلامي، وايضا من خلال الطرح العقلاني للفكر الفلسفي الإسلامي؟؟

لو انحبس الناس عند النصوص المتعلقة بالنصوص المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المجال الطبي واقتصروا عليها، لما وجدنا أطباء فلاسفة يزخر بهم التاريخ الإسلامي، فهؤلاء علموا أن الجسد الإنساني مثله مثل باقي الظواهر الكونية يقتضي بحثا ودراسة وتجربة واستكشافا لقوانينه القهرية التي لا تحابي أحدا، وقد يصل الباحثون الأطباء إلى حقائق تفيد القطع واليقين، ومن ثم فإنه يجب أن يُصار إلى ما بذله هؤلاء الباحثون من جهد مستديم، فإذا وجدنا نصوصا حديثية متناغمة مع بحوثهم فبها ونعمت، وإن وجدنا ما يضادها، فإن الترجيح آنذاك إنما يكون لليقيني، وهي الحقائق العلمية القطعية المجمع عليها التي توصل إليها الباحثون مقارنة مع الظني المستخلص من منهج ظني مبني على بحوث العدالة والضبط الظنيين.
وقد مال بعض الباحثين إلى ظنية مثل تلك النصوص بسبب ظنيتها ثبوتا، وهذه الظنية قاضية على الدلالة في نظري، إذ لا يمكن إثبات قطعية الدلالة بظنية النصوص ثبوتا، وهو المنهج نفسه الذي صار عليه المتكلمون في إثبات العقائد بقطعية نصوص ثابتة ولم يلتفتوا إلى ما كان ظنيا.  
ومنهم من لاحظ أن تلك الأحاديث الظنية إنما سيقت لإظهار مستوى الطب في عهد النبي عليه السلام، وما قيل فيها إنما هي اجتهادات نبوية حسب ما كان معروفا في عهده، وهذه الاجتهادات منحصرة في زمن ولا تتعدى إلى أزمنة مستقبلية.
والشيء الذي لا يستساغ عقلا إنما هو إلباس تلك النصوص لبوسا قطعيا يقينيا وإلباس المتحدث بها لبوسا قدسيا لإخضاع الناس له، مع العلم أن الذي تناغم مع السنن الكونية الإلهية حقيقة إنما هو الباحث الذي بذل جهدا وصار إلى المعارف اليقينية الخاصة بالجسد الإنساني، ولم يقتصر على قراءة نصوص دون فهم أو إدراك.
والإشكال عندنا ليس قائما على العلم المجرد والبحث فيه، إنما هو قائم على اشتهار الناس بسبب الانتماء الحزبي، أو إلباس اجتهادات علمية في فن من الفنون بلبوس شرعي بحثا عن الأتباع، وكان الأولى في نظري التوجه إلى البحث العلمي المجرد دون خرقة الإخضاع.  

ارتباطا بنفس الموضوع رأينا نقاشات حول الاعجاز العلمي في القرآن، واحتداما بين مؤيد ومعارض، بين من يعتبره تطويعا للنص الديني (قران وسنة)، امام ما يفرضه العالم الحديث من اكتشافات واختراعات علمية..
فهل كان نفس النقاش مطروحا لدى المدارس الفكرية الاسلامية الكبرى، ام انه مجرد طاريء طرأ مع الثورة العلمية الغير مسبوقة؟  وهل فعلا يوجد “اعجازا علميا في القرآن”؟؟ 

إن ما هو ملاحظ حقيقة أن الكتب القيمية إنما هي التي تبني شعوبا وتبعث على الإرادة الدفينة فيها لتجسيد تلك القيم واقعا، وهذا الانحدار المشهود في إنسانية الإنسان في النظم الرأسمالية إنما هو راجع لبعدها عن عقل كانط وروح هيجل ومساواة ماركس وحرية روسو ولوك فضلا عن تواصل هابرماس …
والقرآن حين أتى لم يكن ليُحصر في كتاب علمي بحث، بل إنه أتى لبناء العرب قيميا وأخلاقيا في تصديق تام لأصول الكتب السماوية السابقة، وحين تُسلخ آيات عن سياقها ليستدل بها على أحقية النظرية العلمية المكتشفة إنما هو إخراج له عن إطاره، وتهديد للمهمة البنائية التي أتى من أجلها، لاسيما وإن الكشوفات العلمية إنما هي خاضعة لتاريخ وطبقات بتعبير فوكو، وقد تتخللها قطائع إبستيمية، ومن ثم فهذا السلخ إضرار بجوهر النص القرآني.
ومن ثم فإن من مساوئ هذا المسمى بالإعجاز العلمي ادعاء الموسوعية بالنسبة للقائل به، حيث إنك تجده متحدثا في العلوم كلها ومنسقا بين نظرياتها العلمية والنصوص القرآنية لإثبات أحقية القرآن وصدقيته.
وهاهنا يجب التأكيد على قناعتنا في هذا الشأن، وهو أن الكون حينما عُرض، إنما عُرض لمعرفة كنهه وأسراره وعجائب الخلقة فيه، وهو ديدن العلماء الكونيين الذين يصلون دوما إلى إدراك الحكمة من الخلق والغاية من وجوده، وفي ذلك تناغم مع القرآن وتوجيهاته القيمية باعتبار وحدة المصدر. أما تبرير الخمول العلمي باستدعاء نصوص قرآنية لاثبات الحقانية فهو عبث في نظرنا.
ثم إن الذي يحق له إن فعل أن يقوم بمسألة الاستشهاد هاته، إنما هو العالم التخصصي في مجاله الدقيق، مع الحذر من نسبية الاكتشافات العلمية كيفما كان نوعها.  

كيف ترى تفاعل حركات الاسلام السياسي بالمغرب، مع جائحة كورونا، ومع قرارات الدولة بهذا الخصوص.. 
سواء من الناحية الفكرية، او من الناحية العملية ؟

الحركة الإسلامية مثلها باقي المكونات الحزبية في البلد، وتعاطيها مع الجائحة إنما يكون بالمتيسر لديها، والكائن واقعا عندها إنما هو حالة المضطر الملتجئ إلى الله دعاء، شأنها شأن شعب لاحظ تخلف دولة تعليما وتربية وبحثا وتطبيبا، فكان الدعاء بلسما لأحزانه.
والاقتصار على هذا الفعل من قبل تلك المكونات، مع العجز الدائم عن بناء الخبراء والعلماء ورجالات الدولة الأقوياء هو خلل منهجي في نظري، وكان الأمل الذي يحذوني حقيقة إنما هو أن تنخلع تلك المكونات السياسية عن التجميع الكمي وتنظيمه، وتتجه نحو أنساق بنائية لأفرادها، بحيث إنما يكون الذي ستقدمه للوافد عليها إنما هو تثقيفه وفسح المجال له ليحكم تخصصه داخل نسق يضم خبراء في التخصص نفسه، فإذا احتاجت البلد إلى خبراء في مجالات ضرورية اقتصادا أو تعليما أو صحة قدمتهم تلك المكونات في إطار برنامجها السياسي الذي تود تنزيله، كأن تجد الطالب الآتي إلى كلية الطب مثلا يعيش دوما مع خبراء في الطب ويمضي معهم زمنا متطاولا إلى أن يصبح ماهرا في تخصصه، فإذا أتت جائحة ما تهدد الوطن انبرى هؤلاء مجتمعون إلى تخليص الأمة من الوباء.
لكنه إذا كان العقم لصيقا بتلك المكونات بنيويا، وكانت تنظيماتها عاجزة عن تخريج خبراء أكفاء، وكانت القيادة تعطى باعتبار تسلق الهرم دون اعتبار للتخصص العلمي وكأن واقع التنظيم مؤسسا على الإشاحة عن الواقع والتخصص والاكتفاء بالتجميع الكمي، فلِم يكون الحديث عن الدولة أصلا وتسييرها من قبل هؤلاء.  
نعم قد يدعي البعض أن هناك فروقا بين السياسي والخبير، والخبير تبع للسياسي، لكن التجربة أظهرت أن الخبير السياسي هو المنوط به التغيير أولا وأخيرا في تخصصه، ولا مجال للأدعياء أو الهواة في التسيير المحكم المرتبط بمصالح الناس واقعا.


Warning: Undefined variable $postData in /home/ifada/public_html/wp-content/themes/NewsPaperOne-Light/template-parts/content/content-single.php on line 55

Warning: Trying to access array offset on null in /home/ifada/public_html/wp-content/themes/NewsPaperOne-Light/template-parts/content/content-single.php on line 55

Warning: Attempt to read property "ID" on null in /home/ifada/public_html/wp-content/themes/NewsPaperOne-Light/template-parts/content/content-single.php on line 55
أضف تعليقك

المزيد من حوار

السبت ١٣ مايو ٢٠٢٣ - ٠١:٤٨

حوار مع الباحث مهدي عامري حول كتابه الأخير: ” تحولات التواصل في عالم متغير”

السبت ٣١ أكتوبر ٢٠٢٠ - ٠٥:٠٤

المنوزي: لا يمكن الحديث عن فصل السلط مادامت كل المؤسسات تستمد قوتها من الملك

السبت ٢٦ مارس ٢٠٢٢ - ١١:٣٨

مطارحات مع رشدي: تستضيف الباحث مصطفى بوهندي في مراجعات نقدية للتراث الإسلامي الحلقة 2

الإثنين ٢٢ فبراير ٢٠٢١ - ٠٢:١٠

حوار في “السياسة المحلية” مع رئيس المجلس الإقليمي لعمالة مديونة