
الأجور هي المصدر الرئيسي لدخل الأسر المغربية
كشفت المندوبية السامية للتخطيط، في تقريرها الأخير، عن معطيات مهمة تتعلق بمصادر دخل الأسر المغربية، حيث أكدت أن الأجور تشكل المصدر الرئيسي للدخل، إذ تمثل 35.1% من إجمالي دخل الأسر. وتتفاوت هذه النسبة بين الوسطين الحضري والقروي، حيث تصل إلى 36.4% في المدن مقابل 29.5% في المناطق القروية، ما يعكس التباين الكبير في طبيعة سوق العمل بين المجالين.
التقرير، الذي يغطي الفترة ما بين مارس 2022 ومارس 2023، أشار إلى أن التحويلات العمومية والخاصة تأتي في المرتبة الثانية كمصدر للدخل، حيث تشكل 21.3% من إجمالي الدخل الوطني. وتبرز هذه النسبة بشكل أوضح في الوسط الحضري بواقع 22.8%، مقارنة بـ15.1% في الوسط القروي. وتضم هذه التحويلات المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة، إضافة إلى التحويلات التي يرسلها المغاربة المقيمون بالخارج، والتي تشكل رافدًا مهمًا لدخل العديد من الأسر، خاصة في المناطق ذات النشاط الاقتصادي المحدود.
وأوضح التقرير أن السياسات الاجتماعية التي تبنتها الحكومة خلال السنوات الماضية ساهمت بشكل إيجابي في تقليص الفقر، من خلال استهداف الفئات الهشة عبر برامج الدعم الاجتماعي المباشر وبرامج المساعدة الطبية “راميد”، وغيرها من المبادرات التي تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للأسر ذات الدخل المحدود. غير أن هذا التحسن، وفقًا للتقرير، لم يكن كافيًا لتحقيق توازن اجتماعي شامل، حيث لا تزال الفوارق الاجتماعية تشكل عائقًا أمام تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة.
وأشار التقرير إلى تفاقم مؤشر جيني، الذي يقيس مستوى التفاوت في توزيع الدخل، ما يعكس استمرار الفجوة بين الفئات الاجتماعية في المغرب. هذا المؤشر، الذي شهد تحسنًا طفيفًا في بعض الفترات السابقة، عرف انعطافًا سلبيًا بين عامي 2019 و2022، وهي الفترة التي تزامنت مع تداعيات جائحة كوفيد-19 التي أثرت بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأسر المغربية.
وفي هذا الصدد، دعت المندوبية السامية للتخطيط إلى تبني سياسات عمومية تهدف إلى إعادة توزيع الدخل بشكل أكثر إنصافًا، مع التركيز على دعم الطبقة الوسطى التي شهدت مستويات معيشتها نموًا متواضعًا مقارنة بالفئات الأخرى. واعتبرت المندوبية أن تعزيز مكانة هذه الطبقة يعد ضرورة ملحة لضمان استقرار النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمملكة.
ومن بين التوصيات التي قدمها التقرير، ضرورة إعادة تقييم مستوى معيشة الأسر بشكل دوري، للتمييز بين التأثيرات البنيوية والتأثيرات الظرفية التي قد تنجم عن أزمات مؤقتة، مثل جائحة كوفيد-19. كما شدد التقرير على أهمية تعزيز آليات الدعم الاجتماعي وتنويع مصادر الدخل، خصوصًا في الوسط القروي، الذي لا يزال يعتمد بشكل كبير على الأنشطة الفلاحية التقليدية التي تتأثر بشدة بالتغيرات المناخية والظروف الاقتصادية العالمية.
التقرير أعاد أيضًا طرح تساؤلات حول مستقبل سوق العمل في المغرب، خاصة في ظل تزايد الاعتماد على الاقتصاد غير المهيكل، والذي يحرم العديد من العاملين من الحماية الاجتماعية والحقوق الأساسية. وأوصت المندوبية بضرورة العمل على إدماج هذا القطاع في الدورة الاقتصادية الرسمية، من خلال توفير حوافز للمقاولات الصغيرة والمتوسطة وتسهيل ولوجها إلى التمويلات والبرامج الحكومية.
وفي سياق متصل، دعا الخبراء إلى الاستفادة من التحولات الرقمية لتعزيز الشمول المالي وتحسين آليات تتبع التحويلات المالية والدعم الاجتماعي، بما يضمن وصول هذه المساعدات إلى مستحقيها الحقيقيين. فمع ارتفاع نسبة الاعتماد على التكنولوجيا المالية، يمكن تعزيز الشفافية والحد من أية اختلالات محتملة.
إجمالًا، يكشف التقرير عن تحديات معقدة تواجه السياسات الاجتماعية في المغرب، رغم الجهود المبذولة لتحسين الأوضاع المعيشية. ومع استمرار التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، تصبح الحاجة إلى تبني مقاربات مبتكرة أكثر إلحاحًا، لضمان استفادة جميع فئات المجتمع من ثمار النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة المنشودة.
التعاليق